ما هو التداول من الداخل في سوق العملات الرقمية المشفرة؟

التداول من الداخل هو عملية بيع أو شراء عملة رقمية أو أسهم أو أوراق مالية لشركة بناء على معلومات خاصة غير متاحة للجمهور، أو عندما يمتلك الفرد ما لا يقل عن 10% من أسهم شركة عامة. هذا النوع من التداول يثير الكثير من الجدل، حيث أن بعض أشكاله قانوني، بينما يعتبر البعض الآخر غير قانوني لأنه يوفر ميزة غير عادلة على المستثمرين الآخرين، خلال هذا المقال نلقي عليها المزيد من الضور لتفسير هذه العمليات والتعرف عليها

 

الجوانب القانونية وغير القانونية للتداول من الداخل

في بعض الدول، يُسمح بممارسات معينة من التداول من الداخل، ولكنها تخضع لقوانين صارمة وإشراف تنظيمي. على سبيل المثال، في الولايات المتحدة، تتحكم هيئة الأوراق المالية والبورصات (SEC) في تنظيم هذا النشاط. ويُسمح للمطلعين، مثل المديرين التنفيذيين للشركات أو الموظفين، بشراء وبيع أسهم شركتهم، ولكن يجب تسجيل هذه العمليات بشكل مسبق لدى اللجنة لضمان الشفافية.

أمثلة على التداول القانوني تشمل:

  • إعادة شراء الأسهم: عندما يشتري الرئيس التنفيذي أسهم من شركته.
  • استثمارات الموظفين: شراء موظفي الشركة لأسهمها كجزء من خططهم الاستثمارية.

على الجانب الآخر، يشمل التداول من الداخل غير القانوني شراء أو بيع الأوراق المالية بناء على معلومات غير متاحة للجمهور. هذا النوع من التداول ليس مقتصر على المسؤولين التنفيذيين فقط، بل قد يشمل الأقارب، الأصدقاء، أو حتى الغرباء الذين حصلوا على معلومات سرية بطريقة غير مباشرة.

أمثلة على التداول من الداخل غير القانوني:

تخيل أن حلاق يستمع إلى محادثة خاصة أثناء قص شعر أحد المديرين التنفيذيين، حيث يعلم معلومات غير معلنة عن الأرباح السنوية للشركة. إذا استخدم الحلاق هذه المعلومات لشراء الأسهم قبل الإعلان عنها، فهذا يعد مثال واضح للتداول غير القانوني.

تستخدم الجهات التنظيمية، مثل هيئة الأوراق المالية والبورصات، تقنيات متطورة للكشف عن مثل هذه الأنشطة. ويتم تحليل أحجام التداول غير المعتادة، خاصة في الحالات التي لم تصدر فيها أخبار رسمية عن الشركة.

 

التداول من الداخل في سوق العملات المشفرة:

في السنوات الأخيرة، شمل التنظيم التداول من الداخل في مجال العملات المشفرة. وقد أعلنت هيئة الأوراق المالية والبورصات أن بعض العملات المشفرة، مثل الريبل (XRP) وكاردانو (ADA) وسولانا (SOL)، تُعتبر أوراق مالية، وبالتالي تخضع لنفس القوانين.

على سبيل المثال، واجهت العملة الرقمية (SUI) مزاعم بالتداول من الداخل بعد ارتفاع كبير بنسبة تجاوزت 120% خلال فترة زمنية قصيرة. في بيان رسمي بتاريخ 14 أكتوبر، نفت Sui Network هذه المزاعم وأكدت التزامها بالقوانين.

حقائق تاريخية

في عام 1909، أصدرت المحكمة العليا الأمريكية حكم اعتبر أن شراء مدير الشركة لأسهم شركته بناء على معلومات داخلية غير معلنة يُعد احتيال. هذا الحُكم يمثل نقطة انطلاق لتنظيم التداول من الداخل، الذي تطور ليشمل أسواقا مالية مختلفة، بما في ذلك سوق العملات المشفرة.

التداول من الداخل، سواء في الأسهم أو العملات الرقمية، يُظهر أهمية وجود قواعد صارمة لضمان عدالة الأسواق وحماية المستثمرين من الممارسات غير القانونية.

 

كيف تعمل تجارة المعلومات الداخلية في العملات المشفرة؟

لعقود، كان عالم العملات المشفرة أشبه بـ"الغرب المتوحش"، حيث انتشرت الأنشطة غير المنظمة وغياب الرقابة، مما وفر بيئة مثالية للممارسات غير القانونية، بما في ذلك التداول الداخلي. رغم الجهود التنظيمية الحديثة، ما زالت تجارة المعلومات الداخلية تشكل تحدي كبير في هذا السوق.

الأنشطة الرئيسية للتداول الداخلي في سوق العملات المشفرة:

التلاعب من قبل الحيتان:

غالبا ما يقوم مالكو العملات المشفرة الكبار، المعروفون بـ"الحيتان"، باستخدام مواقعهم للتلاعب بالسوق. وتشمل هذه الأنشطة الشائعة عمليات "الضخ والتفريغ"، حيث يتم تضخيم أسعار العملات بشكل مصطنع من خلال عمليات شراء مفرطة مدعومة بأخبار مزيفة أو دعاية مضللة، ثم بيع العملات في وقت محدد لتحقيق أرباح ضخمة.

المعرفة المسبقة بالإدراج في منصات التداول الكبيرة:

إحدى الطرق الأكثر شيوع للتداول الداخلي هي استخدام المعلومات السرية المتعلقة بإدراج عملة رقمية معينة في منصة تداول رئيسية. وفي هذه الحالات، يقوم الموظفون أو المشاركون في المشروع بشراء العملة بأسعار منخفضة قبل الإعلان الرسمي عن إدراجها، مما يؤدي إلى رفع قيمتها بشكل كبير بمجرد إدراجها، ثم يبيعونها لتحقيق أرباح كبيرة.

التحديثات التقنية للمشاريع:

المعلومات حول التحديثات الفنية، مثل الترقيات الكبيرة (forks) أو الترقيات البرمجية، تُعد فرصة أخرى للتداول الداخلي. ويمتلك المطلعون ميزة كبيرة عند معرفتهم بهذه التغييرات قبل الإعلان عنها، مما يسمح لهم بالاستفادة من تقلبات الأسعار الناتجة عن هذه التطورات.

الشفافية واللامركزية كآليات رقابة:

رغم المخاطر، يوفر التصميم اللامركزي للعديد من العملات المشفرة مستوى من الشفافية يصعّب إخفاء المعلومات. وتعمل شبكات البلوكشين، بتصميمها العام، على تسهيل تتبع الأنشطة وتوفير سجلات مفتوحة للمعاملات، مما يجعل من الصعب إخفاء التداول الداخلي مقارنة بالأسواق التقليدية.

أدلة وأبحاث حول التداول الداخلي:

تشير دراسات حديثة إلى أن التداول الداخلي لا يزال يمثل تحدي كبير في هذا المجال. فعلى سبيل المثال، كشفت دراسة من جامعة سيدني للتكنولوجيا (UTS) أن التداول الداخلي قد يحدث في 27% إلى 48% من قوائم العملات المشفرة، رغم التدقيق المتزايد. ويُظهر هذا البحث الحاجة إلى تعزيز الرقابة التنظيمية والابتكار في آليات الكشف عن الممارسات غير القانونية.

 

أمثلة واقعية على التداول الداخلي في العملات المشفرة:

شهد عالم العملات المشفرة العديد من الفضائح المتعلقة بالتداول الداخلي، والتي تورط فيها بعض من أكبر الأسماء في الصناعة، مثل Coinbase وOpenSea.

1. فضيحة التداول الداخلي في كوين بيس:

في عام 2022، وجهت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC) اتهامات إلى مدير المنتجات السابق في شركة كوين بيس، إلى جانب شقيقه وصديقه. ووفقا للاتهامات، استغل هذا المدير دوره في الشركة للحصول على معلومات حول العملات والرموز الرقمية التي سيتم إدراجها على المنصة، وشارك هذه المعلومات سرا مع شقيقه وصديقه. وقد استخدموا المعلومات لشراء ما لا يقل عن 25 عملة مشفرة، منها 9 اعتُبرت أوراقا مالية.

بلغت أرباحهم من التداول الداخلي أكثر من 1.1 مليون دولار. وتم الحكم على المدير السابق بالسجن لمدة عامين، وشقيقه لمدة 10 أشهر، إضافة إلى غرامة مالية قدرها 1.6 مليون دولار.

2. قضية Long Blockchain Corp:

في ذروة "هوس الكريبتو" عام 2017، أعلنت شركة المشروبات "Long Island Iced Tea" عن تغيير اسمها إلى Long Blockchain Corp، زاعمة تحولها إلى العمل في مجال تقنية البلوكشين. وأدى الإعلان إلى ارتفاع أسهم الشركة بنسبة 380٪، رغم أنها لم تبدأ فعليا في تطوير تقنية البلوكشين.

تورط ثلاثة أفراد في شراء الأسهم بناء على معلومات داخلية قبل الإعلان، مما أدى إلى اتهامهم بالتداول الداخلي. أدين اثنان منهم، "أوليفر باريت ليندسي" و"غانون جيجوير"، وتم فرض غرامات مالية قدرها 400,000 دولار.

3. فضيحة التداول الداخلي في OpenSea:

في عام 2021، تورط "نيت تشاستين"، رئيس المنتجات في سوق NFT الشهير "OpenSea"، في قضية تداول داخلي. وقد استغل "تشاستين" معرفته بالمجموعات الفنية (NFT) التي ستُعرض على الصفحة الرئيسية للمنصة لشرائها مسبقا بأسعار منخفضة، ثم بيعها بعد أن ترتفع قيمتها. وبلغت أرباحه من هذه العمليات حوالي 57,000 دولار.

أدين "تشاستين"، وحُكم عليه بالسجن 3 أشهر وغرامة قدرها 50,000 دولار.

مبادرات لمكافحة التداول الداخلي: المثال بينانس

تُقدم منصة التداول بينانس مكافآت تصل إلى 5 مليون دولار للأشخاص الذين يبلغون عن حالات التداول الداخلي. وقد أثارت إحدى الحوادث في المنصة جدل واسع بعد أن قام أحد كبار حاملي العملات المشفرة بشراء 314 مليون BOME قبل إدراجها على المنصة. بعد الإدراج، ارتفعت القيمة بشكل كبير، مما أثار اتهامات بكون العملية تداول داخلي.

 

التوقعات المستقبلية للتداول الداخلي في أسواق العملات المشفرة

1. تعزيز التنظيم والمراقبة

تعمل هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC) على فرض تنظيم صارم للتداول الداخلي في أسواق العملات المشفرة. ومع تزايد تصنيف العملات المشفرة كأوراق مالية، يصبح أي تداول غير مشروع عرضة للعقوبات القانونية.

يؤكد رئيس الهيئة، "غاري جينسلر"، على تعريف التداول الداخلي، مشيرا إلى أن بيع الرموز الرقمية بهدف تحقيق أرباح بناء على جهود البائعين يخضع لقوانين الأوراق المالية.

2. تأثير الشفافية في تقنية البلوكشين:

على الرغم من الاعتقاد الشائع بأن معاملات العملات المشفرة مجهولة الهوية، فإن تقنية البلوكشين توفر مستوى عال من الشفافية. ويمكن استخدام السجلات العامة في هذه التقنية لتتبع الأنشطة التجارية واكتشاف التداول الداخلي، مما يجعل من الصعب على الجناة إخفاء أفعالهم.

3. تدابير تنظيمية ذاتية من منصات التداول:

تتخذ منصات التداول وشركات الكريبتو خطوات استباقية لحماية نفسها من تداعيات قضايا التداول الداخلي. وتطبق العديد من منصات التداول المركزية إجراءات مثل معرفة العميل (KYC) ومكافحة غسل الأموال (AML) للحد من الأنشطة غير القانونية. ومع ذلك، تبقى منصات التداول اللامركزية (DEX) تحديا كبيرا، نظرا لصعوبة مراقبة أنشطتها نظرا لطبيعتها اللامركزية وعدم وجود تنظيم صارم.

4. تداعيات قانونية مستمرة:

منذ طفرة عروض العملات الأولية (ICO) عام 2017، أظهرت الدراسات مثل تلك التي أجرتها "Solidus Labs" أن التداول الداخلي شائع للغاية، حيث لوحظت أدلة على وجوده في 56٪ من قوائم العملات الرقمية الجديدة. وهذا أدى إلى زيادة الإجراءات القانونية والضغوط التنظيمية.

5. مستقبل المنصات اللامركزية:

مع نضج سوق العملات المشفرة، تزداد الضغوط على منصات التداول اللامركزية لتطبيق معايير حماية أقوى وضمان الممارسات العادلة. ومن المتوقع أن تتبنى هذه المنصات آليات تضمن الشفافية وحماية المستثمرين، ربما من خلال تقنيات مبتكرة أو التعاون مع الهيئات التنظيمية.

خلاصة القول:

مستقبلا من المرجح أن يصبح التداول الداخلي في سوق الكريبتو أكثر صعوبة مع تعزيز القوانين والتنظيمات، خاصة في الأسواق المركزية. ومع ذلك، سيبقى التحدي الأكبر متمثل في تنظيم منصات التداول اللامركزية، مما يتطلب جهود جماعية بين الحكومات، والشركات، والمجتمع التقني لضمان نزاهة السوق وحماية المستثمرين.

اقرأ أيضا:

 
الأسئلة الأكثر شيوعًا:

تخيل أن حلاق يستمع إلى محادثة خاصة أثناء قص شعر أحد المديرين التنفيذيين، حيث يعلم معلومات غير معلنة عن الأرباح السنوية للشركة. إذا استخدم الحلاق هذه المعلومات لشراء الأسهم قبل الإعلان عنها، فهذا يعد مثال واضح للتداول غير القانوني. ويستخدم الجهات التنظيمية، مثل هيئة الأوراق المالية والبورصات، تقنيات متطورة للكشف عن مثل هذه الأنشطة. ويتم تحليل أحجام التداول غير المعتادة، خاصة في الحالات التي لم تصدر فيها أخبار رسمية عن الشركة.

أعلنت هيئة الأوراق المالية والبورصات أن بعض العملات المشفرة، مثل الريبل (XRP) وكاردانو (ADA) وسولانا (SOL)، تُعتبر أوراق مالية، وبالتالي تخضع لنفس القوانين. على سبيل المثال، واجهت العملة الرقمية (SUI) مزاعم بالتداول من الداخل بعد ارتفاع كبير بنسبة تجاوزت 120% خلال فترة زمنية قصيرة. في بيان رسمي بتاريخ 14 أكتوبر، نفت Sui Network هذه المزاعم وأكدت التزامها بالقوانين.

في عام 1909، أصدرت المحكمة العليا الأمريكية حكم اعتبر أن شراء مدير الشركة لأسهم شركته بناء على معلومات داخلية غير معلنة يُعد احتيال. هذا الحُكم يمثل نقطة انطلاق لتنظيم التداول من الداخل، الذي تطور ليشمل أسواقا مالية مختلفة، بما في ذلك سوق العملات المشفرة. فالتداول من الداخل، سواء في الأسهم أو العملات الرقمية، يُظهر أهمية وجود قواعد صارمة لضمان عدالة الأسواق وحماية المستثمرين من الممارسات غير القانونية.

الندوات و الدورات القادمة