استراتيجيات الحماية من الاحتيال في سوق العملات المشفرة لعام 2024
مع ازدياد وتيرة التدقيق التنظيمي في عالم العملات المشفرة ومع دخولنا في عام 2024، يشهد هذا المجال تحولات ملحوظة. من تتبع هيئة الأوراق المالية والبورصات للمؤثرين البارزين مثل "ليندسي لوهان" و"جيك بول" بسبب ترويجهم للعملات الرقمية المشفرة في الولايات المتحدة الأمريكية، إلى المعركة القضائية البارزة التي يخوضها "سام بانكمان فريد" يواجه سوق العملات الرقمية المشفرة تحديات جسيمة في الآونة الأخيرة.
تعهدت الجهات التنظيمية بمواصلة جهودها لمكافحة الاحتيال والممارسات الخادعة في هذا المجال حتى وصولنا لعام 2024، وذلك في أعقاب تقارير عن خسائر تقدر بنحو 2 مليار دولار في قطاع العملات المشفرة خلال عام 2023 وحده وفقا لدراسة أجرتها "CertiK".
نظرا لطبيعة العملات الرقمية المشفرة التي تجعلها عرضة للثغرات الأمنية، يصبح استعادة الأموال بعد التعرض للاحتيال مهمة صعبة وشاقة للغاية. لذلك، تعتبر الحيطة والحذر من العوامل الأساسية للوقاية من الخسائر، بدءا من التحقق من المعلومات الأولية وصولا إلى إتمام المعاملات، لذا نحاول في هذا المقال التعرف على استراتيجيات وارشادات الوقاية من الإحتيال في سوق العملات المشفرة
ويدور مقالنا حول النقاط الرئيسية التالية
- إرشادات فعّالة للوقاية من عمليات الاحتيال في العملات الرقمية المشفرة
- أهمية تحولات السوق للمتداولين وتأثيرها على عمليات الاحتيال
- مخططات الضخ والتفريغ
- استغلال تقنيات الذكاء الاصطناعي في عمليات الاحتيال المتطورة
- استمرارية عمليات الاحتيال في سوق العملات المشفرة
- الأسئلة الشائعة حول استراتيجيات الوقاية من الاحتيال
إرشادات فعّالة للوقاية من عمليات الاحتيال في العملات الرقمية المشفرة:
- الحذر من الانسياق وراء الوعود بأرباح خيالية:
ينطوي الاستثمار في سوق العملات المشفرة على مخاطر عالية، وغالبا ما تستغل عمليات الاحتيال هذه الرغبة الشديدة في تحقيق الثراء السريع. حيث يلجأ المحتالون إلى استدراج ضحاياهم بالوعود بعوائد مالية مرتفعة بشكل غير منطقي، أو بمضاعفة الاستثمارات في فترات قصيرة، أو حتى بتقديم أموال مجانية. لذا يجب التعامل مع هذه الادعاءات بحذر شديد وإجراء بحث دقيق قبل الشروع في أي استثمار.
- التأكد من صحة الرسائل الإلكترونية والمراسلات:
يعتمد المحتالون غالبا على قنوات اتصال تحتوي على أخطاء إملائية أو نحوية، أو تناقض في المعلومات. وتحرص الشركات والمؤسسات الحقيقية على استخدام أسلوب تواصل مهني وخال من الأخطاء، مما يعكس مصداقيتها واحترافيتها.
- الابتعاد عن المعاملات المشكوك فيها:
تتميز الفرص الاستثمارية الشرعية بتقديمها لمعلومات دقيقة وشفافة بخصوص طرق استخدام الأموال والعوائد المتوقعة. في المقابل، تكون عمليات الاحتيال غالبا ما تعاني من نقص في الشفافية والدقة في التفاصيل. لذا من الضروري البحث عن أي مؤشرات على التلاعب والاحتيال، حيث قد يلجأ المحتالون إلى استخدام استراتيجيات ضغط مثل التهديد أو الابتزاز، أو قد يعرضون عقود تبدو قانونية لجذب الضحايا إلى فخهم. يجب التحقيق بدقة في أية التزامات تعاقدية، مع التشديد على الحيطة من أية تهديدات أو محاولات للتلاعب، وهذا يشمل الرسائل النصية من أشخاص مجهولين.
- عدم الانصياع الأعمى وراء ما يروج له المشاهير:
في حال بدا تأييد المشاهير لمشروع معين غير منطقي أو مبالغ فيه، من الحكمة تخصيص وقت للتحقق من مدى صدق هذا التأييد والترويج. فالتأييدات الحقيقية والموثوقة عادة ما تكون مدعومة بالأدلة والتوثيق، ويتخذ المؤثرون والمشاهير حذرا بالغا في اختيار المشاريع التي يقررون ربط أسمائهم بها. ويعتبر التحقيق في المصادر والدلائل المتعلقة بتأييدات المشاهير خطوة مهمة للتأكد من مصداقية الفرصة الاستثمارية.
أهمية تحولات السوق للمتداولين وتأثيرها على عمليات الاحتيال:
كلما اتجه السوق نحو الصعود، يزداد انجذاب المتداولين الجدد والهواة إلى فضاء العملات الرقمية المتنوع والمتاح على مدار الساعة، وهو ما يجعل السياق الحالي للسوق مهما بشكل خاص. في العام 2023، شهدنا انتعاش ملحوظ في سوق العملات الرقمية المشفرة، مع تحقيق عملات رئيسية مثل البيتكوين والإيثيريوم لعوائد استثنائية.
وفقا لدراسة أجرتها "Chainalytics"، يُظهر التحليل أن عمليات الاحتيال في سوق العملات المشفرة تميل إلى تقليل حجم إيراداتها في فترات تراجع وانخفاض أسعار العملات الرقمية، وهو ما يتضح من الرسم البياني الذي يربط بين إيرادات الاحتيال وأسعار البيتكوين خلال عام 2022. وقد لوحظ أن إيرادات عمليات الاحتيال تتبع بشكل وثيق تقلبات سعر البيتكوين، مع وجود فاصل زمني ثابت يقدر بنحو ثلاثة أشهر بين التغيرات في الأسعار والتعديلات الحاصلة في قيمة الإيرادات.
مع ذلك، لا تسير كل أنواع عمليات الاحتيال وفقا لهذا النمط؛ حيث يلاحظ أن بعضها يشهد ارتفاعا خاصا في الإيرادات مع انخفاض أسعار العملات الرقمية المشفرة.
في عام 2021، كانت البيتكوين هي الخيار المفضل للمجرمين الإلكترونيين، ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى سيولتها العالية. ومع ذلك، خلال العامين الماضيين، حدث تحول كبير حيث بدأت العملات المستقرة تشكل النسبة الأكبر من حجم المعاملات غير المشروعة.
بغض النظر عن الاتجاه الذي قد يأخذه سوق العملات المشفرة في عام 2024، يُعتبر من المسلم به أن استراتيجيات المحتالين ستكون أكثر تطورا ودهاء من أي وقت مضى، مما يعرض لنا التحديات والأنماط الجديدة للمخططات الاحتيالية الممكن أن نراها هذا العام وضرورة الحيطة والحذر منها.
من بين المخططات الاحتيالية الممكن مواجهتها في 2024 ما يلي:
مخططات الضخ والتفريغ:
مع تزايد الإقبال على سوق الكريبتو في أوقات الثقة المرتفعة بين المستثمرين، يتطلع العديد من هؤلاء المستثمرين إلى فرص تقدم عائدات مالية كبيرة. مخطط الضخ والتفريغ هو نوع من الاحتيال يحدث عندما يتعاون مجموعة من الأفراد لزيادة سعر عملة مشفرة تم طرحها حديثا (ضخ)، ثم يقومون ببيعها بسرعة (تفريغ) لجني الأرباح.
وفقا لدراسة من "Chainlysis"، وُجد أن حوالي 24% من الرموز الرقمية (Tokens) الجديدة المطروحة في عام 2022 قد اعتمدت على استراتيجيات الضخ والتفريغ.
إليك كيفية عمل هذه الاستراتيجية:
- يبدأ المحتالون بشراء عملة مشفرة ذات شهرة أقل وبسعر منخفض.
- يقومون بعدها بتوليد الحماس حول هذه العملة، وعادة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لجعلها تبدو كاستثمار واعد.
- يتأثر الآخرون بالضجيج المحيط بهذه العملة ويبدأون بشرائها، آملين في تحقيق أرباح سريعة.
- مع زيادة الطلب، يرتفع سعر العملة المشفرة بشكل كبير.
- حين يصل السعر إلى ذروته، يقوم المحتالون ببيع جميع ما لديهم من عملات مشفرة، محققين بذلك أرباح كبيرة.
- نتيجة لذلك، يتسبب الانخفاض الحاد في الأسعار في خسارة الأشخاص الذين اشتروا في القمة جزء كبير من استثماراتهم.
استغلال تقنيات الذكاء الاصطناعي في عمليات الاحتيال المتطورة:
مع تقدم تقنيات الذكاء الاصطناعي، أصبح المحتالون يمتلكون أدوات أكثر تطورا لتنفيذ خططهم الخادعة. تمكن روبوتات الدردشة والمساعدين الافتراضيين المدعومين بالذكاء الاصطناعي من الترويج للعملات الرقمية المزيفة، كما يمكنها تنظيم مخططات الضخ والتفريغ، وتقديم استشارات استثمارية مضللة.
خلال العام الماضي، شهدنا زيادة في استخدام إعلانات الفيديو المزيفة بعمق، ومن المتوقع استمرار هذا الاتجاه في عام 2024. يستخدم المحتالون صور ومقاطع فيديو لشخصيات معروفة، مُعدة بواسطة الذكاء الاصطناعي، لتأييد مشاريع عملات مشفرة مشبوهة باستخدام تقنيات التزييف العميق. هذه الفيديوهات المزيفة تجذب الضحايا من خلال تقديم وعود كاذبة بمضاعفة استثمارات العملات المشفرة عبر رموز الاستجابة السريعة.
من خلال السيطرة على رموز الوصول لقنوات يوتيوب، يقوم المهاجمون بتغيير محتوى القنوات لتقليد الكيانات الموثوقة، ويوجهون المستخدمين نحو مواقع ضارة تروج لمخططات احتيالية تهدف إلى سرقة العملات المشفرة من الضحايا. وقد تم الكشف مؤخرا عن مقطع فيديو مزيف لـ "أناتولي ياكوفينكو"، المؤسس المشارك لشركة سولانا، يعرض فيه هبة عبر رمز استجابة سريع يؤدي إلى رابط تصيد احتيالي. إضافة إلى ذلك، أصدرت لجنة تداول العقود الآجلة للسلع (CFTC) تحذيرات من عمليات الاحتيال التي تعد بعوائد مالية كبيرة من خلال استغلال خوارزميات مراجحة العملات المشفرة، مستفيدة من الثقة المتزايدة في الذكاء الاصطناعي.
كشفت هيئة تداول السلع الآجلة عن العديد من المخططات الاحتيالية، بما في ذلك مخطط تسبب في خسارة 30 ألف بيتكوين (بقيمة 1.7 مليار دولار). هذه المخططات تمثل بعضا من أكثر أساليب الاحتيال فعالية في عام 2024.
من الأمثلة الأخرى على الاحتيال، عمليات "ذبح الخرفان"، والتي تعرف أيضا بعمليات الاحتيال الرومانسية، حيث يستخدم النصابون التلاعب العاطفي لإقناع الضحايا بتسليم مفاتيح العملات المشفرة. وتبدأ هذه العمليات من خلال التواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو تطبيقات المواعدة، حيث يقوم المحتالون ببناء علاقات مع الضحايا قبل توجيههم للاستثمار في مشاريع وهمية. يتطلب تجنب الوقوع في هذه الفخاخ الحذر واليقظة الدائمة.
على الرغم من انتشار هذه الممارسات الاحتيالية، يظل توفير بيانات دقيقة حول حجم الاحتيال تحديا، خاصة أن ضحايا "ذبح الخرفان" غالبا ما يخشون الإبلاغ عن تجاربهم بسبب الشعور بالخجل.
استمرارية عمليات الاحتيال في سوق العملات المشفرة:
من الواضح أن ظاهرة الاحتيال في مجال استثمار العملات المشفرة لا تظهر أي علامات على التراجع. فعلى سبيل المثال، أعلن بنك "لويدز" مؤخرا عن ارتفاع بنسبة 23٪ في حوادث الاحتيال المتعلقة بالعملات المشفرة خلال عام 2023.
تستغل عمليات الاحتيال هذه الطابع اللامركزي والأقل تنظيما لسوق العملات المشفرة لاستهداف المستثمرين الباحثين عن الأمان، مع إغرائهم بوعود بعوائد مالية مرتفعة ومضمونة، الأمر الذي يلفت انتباههم نحو إمكانية تحقيق أرباح سريعة.
يكمن الفارق الرئيسي بين المشاريع الشرعية وعمليات الاحتيال في مستوى الشفافية المقدم حول كيفية استخدام الأموال وآليات الاستثمار الأساسية، حيث توفر المشاريع المشروعة تفاصيل مفصلة عن أهدافها، تقنياتها، وفريق العمل لديها. وتسلط الخسائر المقدرة لبعض من أكبر عمليات احتيال العملات المشفرة في التاريخ الضوء على هذه المشكلة، على رأسهم: OneCoin، FTX Trading Ltd. (FTX)، PlusToken، BitConnect، وشبكة Bitclub، التي تراوحت خسائرها من ملايين إلى مليارات الدولارات. بالإضافة إلى ذلك، لا يزال التصيد الاحتيالي يشكل تحدي كبير، حيث يستخدم المحتالون رسائل بريد إلكتروني مزيفة وروابط لمواقع وهمية بهدف الحصول على المعلومات الشخصية للضحايا.
مع زيادة مخططات التصيد الاحتيالي، والتي تجعل المستخدمين يوافقون على معاملات ضارة، يتم تحويل الأموال إلى محافظ تحت سيطرة المحتالين، مما يتطلب مزيدا من التحقيق للكشف عن هذه الأنشطة الاحتيالية. ومع ارتفاع حالات الاحتيال وإدانتها، ظهرت "عمليات الاحتيال المزدوجة" كطبقة جديدة من التعقيد، حيث يتظاهر المحتالون بأنهم وكلاء استرداد يعدون بإعادة الأموال المفقودة مقابل رسوم، لكنهم في الواقع يحصلون على مدفوعات مالية لخدمات غير موجودة ويعرضون الضحايا لمزيد من المضايقات ومحاولات الابتزاز.
تدل هذه الأنماط على الحاجة الماسة للتوعية والحذر المستمرين لتجنب الوقوع في فخ عمليات الاحتيال هذه، وتسلط الضوء على الدور الحيوي للتحقيقات الدقيقة ومشاركة المعلومات في مكافحة هذه الممارسات الضارة في مجال العملات المشفرة.
في الختام:
تشكل المخاطر عنصرا لا يتجزأ من المعادلة الاستثمارية في سوق الكريبتو. الخصائص الأساسية للعملات المشفرة، مثل اللامركزية الشديدة والطبيعة النهائية للمعاملات، تفتح الباب أمام العديد من الثغرات الأمنية. فبمجرد حدوث عملية احتيال، يصبح استرجاع الأموال المفقودة مهمة شاقة، إن لم تكن مستحيلة. لذلك، يُعتبر الحل الأمثل للحماية من هذه المخاطر هو البقاء في حالة تأهب دائم، التعرف على عمليات الاحتيال بمجرد ظهورها، وممارسة الحذر الشديد عند الاشتراك في أي معاملات.
التعليم والتوعية حول العملات المشفرة ومخاطر الاحتيال المرتبطة بها تعد خطوات أولية حيوية. يجب على المستثمرين تعلم كيفية تقييم المشاريع بناء على مؤشرات الجدية والشفافية، والتحقق من المعلومات المقدمة، والتشكيك في الوعود التي تبدو جيدة جدا لدرجة يصعب تصديقها. كما ينبغي للمستثمرين استخدام أدوات وخدمات التحقق للتأكد من صحة المعاملات والمشاريع قبل الاستثمار فيها.
بالإضافة إلى ذلك، يجب على المستثمرين اعتماد ممارسات أمنية قوية لحماية عملاتهم الرقمية، بما في ذلك استخدام المحافظ الأمنية، تفعيل التحقق بخطوتين، والحفاظ على السرية التامة للمفاتيح الخاصة.
كما يجب الحذر عند التعامل مع الرسائل التي تطلب معلومات شخصية أو مالية والتي قد تكون جزء من محاولة تصيد احتيالي، وهو أيضا جزء لا يتجزأ من استراتيجية الدفاع الشاملة.
في النهاية، يقع عبء الوقاية من عمليات الاحتيال على عاتق المستثمرين أنفسهم. وذلك من خلال البقاء مطلعين، متيقظين، ومتحفظين، يمكن للمستثمرين في العملات المشفرة تقليل مخاطر التعرض لعمليات الاحتيال وحماية استثماراتهم في هذا الفضاء المالي الجديد والمتطور بسرعة.
اقرأ أيضا:
- الحذر من الانسياق وراء الوعود بأرباح خيالية و التعامل مع هذه الادعاءات بحذر شديد وإجراء بحث دقيق قبل الشروع في أي استثمار.
- التأكد من صحة الرسائل الإلكترونية والمراسلات حيث يعتمد المحتالون غالبا على قنوات اتصال تحتوي على أخطاء إملائية أو نحوية، أو تناقض في المعلومات.
- الابتعاد عن المعاملات المشكوك فيها: تتميز الفرص الاستثمارية الشرعية بتقديمها لمعلومات دقيقة وشفافة بخصوص طرق استخدام الأموال والعوائد المتوقعة.
مع تزايد الإقبال على سوق الكريبتو في أوقات الثقة المرتفعة بين المستثمرين، يتطلع العديد من هؤلاء المستثمرين إلى فرص تقدم عائدات مالية كبيرة. مخطط الضخ والتفريغ هو نوع من الاحتيال يحدث عندما يتعاون مجموعة من الأفراد لزيادة سعر عملة مشفرة تم طرحها حديثا (ضخ)، ثم يقومون ببيعها بسرعة (تفريغ) لجني الأرباح.