ماذا تعني مصادرة العملات الرقمية المشفرة؟
في عالم العملات الرقمية المشفرة نسمع في الكثير من الأحيان مصادرة العملات الرقمية المشفرة، فماهي هذه العملية؟ وكيف تتم؟ وما هي الحالات التي تتم فيها المصادرة؟ وماذا يحدث للعملات الرقمية المصادرة؟ فيما يلي دليل وإجابة عن جميع ما سبق من الأسئلة
يدور مقالنا حول النقاط الرئيسية التالية
ماهي مصادرة العملات الرقمية المشفرة وماذا تعني؟
تشير مصادرة العملات الرقيمة المشفرة إلى الإجراءات التي تتخذها السلطات للاستحواذ على الأصول الرقمية كجزء من التحقيقات القانونية، وتتم عادة في سياق حالات الاحتيال أو غسيل الأموال أو الأنشطة غير القانونية الأخرى. عندما تشتبه الجهات القانونية بوجود نشاط غير قانوني، يحق لها مصادرة الأصول الرقمية من المحافظ المعنية. وتُحول هذه الأموال عادة إلى محافظ تابعة للحكومة حتى يتم حسم القضية قضائيا فيما بعد.
في حال إدانة المتهم، يتم بيع الأصول المصادرة عبر مزادات علنية. أما إذا تمت تبرئته، فتتم إعادة العملات الرقمية المشفرة إلى المحفظة الأصلية. وتتم المصادرة إما أثناء الاعتقال، أو بموجب أوامر تفتيش، أو أوامر مصادرة تحدد بوضوح الممتلكات المستهدفة.
غالبا ما تصدر هذه الأوامر للبورصات أو الأمناء المؤسسات وليس للأفراد. وتحدد مذكرة التفتيش عنوان محفظة البورصة وتوضح أسباب المصادرة، وتلزم البورصة بتقديم المفاتيح الخاصة للمحفظة إلى الجهات المعنية. وغالبا ما تلتزم البورصات بهذا الإجراء لتجنب المساءلة القانونية وتفادي العواقب المحتملة. مع ذلك، يثير هذا الامتثال قضايا أخلاقية تتعلق بمبادئ اللامركزية التي ترتكز عليها العملات الرقمية المشفرة.
وجدير بالذكر أن مذكرة التفتيش ليست الوسيلة الوحيدة التي تعتمدها السلطات لمصادرة العملات الرقمية مثل "البيتكوين" من الأفراد أو المؤسسات، حيث يمكن للحكومة الاستحواذ على العملات الرقمية المشفرة من خلال ما يسمى بـ "المصادرة"، وهي فقدان دائم للأصل بموجب حكم قضائي. وتجري عمليات مصادرة العملات المشفرة غالبا قبل اتخاذ قرار المصادرة النهائي، ولا تتم مصادرة جميع الأصول بشكل دائم.
مثال: في نوفمبر 2023، قامت وزارة العدل الأمريكية بمصادرة ما يقارب 9 مليون دولار من عملة "التيثر" (USDT) بعد تتبع هذه الأموال إلى عناوين مرتبطة بعملية احتيال.
كيف تتم مصادرة العملات المشفرة؟
تختلف آلية مصادرة العملات المشفرة عن مصادرة الأصول المادية كالعقارات أو المركبات أو المجوهرات، إذ إن الأشياء الملموسة يمكن التحفظ عليها باستخدام القوة الجسدية، بينما يتطلب الوصول إلى محفظة العملات الرقمية امتلاك المفتاح الخاص لإجراء التحويلات. في أغلب الحالات، تتعاون السلطات مع منصات التداول التي تستضيف المحفظة للحصول على المفتاح واسترداد الأصول. هذا الأسلوب مناسب للمحافظ البرمجية، المعروفة أيضا بالمحافظ الساخنة، حيث تحتفظ منصات التداول عادة بنسخة من المفتاح. أما المحافظ المادية، أو ما يُعرف بالمحافظ الباردة، والتي تُخزن دون اتصال بالانترنت وغالبا ما تكون مملوكة من قبل الأفراد، فقد تتطلب جهود تقنية لاختراق الجهاز لاستعادة الأموال.
بعد عملية المصادرة، يتم تأمين الأصول الرقمية من قبل الجهات المختصة، وقد تبدأ عملية التسييل التي تتطلب أمر قضائي، والتي يمكن أن تستغرق سنوات في بعض الحالات. عادة ما يتم توزيع عائدات الأصول المصفاة على ضحايا الجريمة أو بين الجهات الحكومية المعنية.
في عام 2022، أسست وزارة العدل الأمريكية وحدة متخصصة تُعرف بوحدة استغلال الأصول الافتراضية (VAXU) ضمن مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI)، وتهدف إلى تحليل معاملات البلوكشين ومصادرة الأصول الرقمية. وتعمل هذه الوحدة بالتعاون الوثيق مع فريق قسم العملات المشفرة الوطني التابع لوزارة العدل (NCET) في قضايا المصادرة.
تستخدم بعض الوكالات الحكومية أحيانا إجراءات تُعرف بـ "المصادرة الإدارية" للاستيلاء على الأصول، حيث يمكنها مصادرة العملات المشفرة دون توجيه اتهامات لحاملي المحفظة، مما يعني أنه قد يفقد الشخص أصوله دون جلسة استماع في المحكمة. وفي سياق ذي صلة وهو ما حدث في الأسابيع القليلة الماضية، أطلق مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) عملة مشفرة تُعرف باسم "NexFundAI" في مايو 2024 كجزء من عملية سرية أطلق عليها اسم "Token Mirrors". تهدف العملية إلى استهداف الأفراد والمؤسسات المتورطة في الأنشطة الاحتيالية المرتبطة بالعملات المشفرة، لا سيما عمليات الضخ والتفريغ (Pump and Dump). وقد تم تصميم "NexFundAI" لمحاكاة العملات المشفرة الشرعية لتكون طُعم لجذب المتلاعبين بالسوق وجمع الأدلة ضدهم.
متى تتم مصادرة العملات الرقمية المشفرة؟
تلجأ السلطات إلى مصادرة العملات المشفرة عندما تكون مرتبطة بأنشطة غير قانونية مثل التهرب الضريبي، غسل الأموال، الاحتيال، أو الاتجار بالمخدرات. فإذا ثبت استخدام العملات المشفرة في أنشطة غير مشروعة، مثل تجارة المخدرات أو الهجمات الإلكترونية، قد تصنفها السلطات كـ"عائدات جريمة"، مما يضعها تحت طائلة المصادرة من قبل الجهات الحكومية.
تهدف هذه الإجراءات إلى تعطيل النشاط غير القانوني أو استرداد الأموال المسروقة. حيث يستفيد المجرمون من طبيعة المعاملات التي تبدو مجهولة على شبكات البلوكشين لإخفاء مسار أموالهم، لكن الوكالات الحكومية تستطيع تتبع عائدات الجريمة من خلال البيانات المتبقية على الشبكة ومصادرة هذه الأصول. كما يمكن للسلطات طلب تجميد المحافظ المستخدمة في الجرائم عبر منصات تداول العملات الرقمية.
عند النظر في عمليات المصادرة، يأخذ المدعون العامون في الحسبان الجوانب اللوجستية المرتبطة بإدارة الأصول الرقمية المصادرة، إضافة إلى قيمة الأصول والتحديات المحتملة في إدارتها.
ما الذي يحدث بعد مصادرة العملات المشفرة؟
في الولايات المتحدة، بعد مصادرة العملات الرقمية المشفرة بموجب القوانين المدنية، يتعين على صاحب الأصول تعيين محام متخصص في قضايا مصادرة الأصول لتقديم دعوى رسمية إلى الجهة المصادرة. يتوجب على هذه الجهة، خلال 90 يوم، تقديم شكوى رسمية للمطالبة بمصادرة الأموال أو إعادتها لصاحبها. في حال تقديم الشكوى، تصدر المحكمة إشعار لجميع الأطراف المعنية لتقديم دفاعهم، حيث يمكن للمحامي الرد وتقديم طلب رفض القضية.
إذا تمكن الدفاع من إثبات عدم مشروعية المصادرة، قد تقضي المحكمة برفض قضية الوكالة، مع إلزامها بدفع أتعاب المحاماة واسترداد العملات المشفرة. وفي حال رفعت الوكالة قضية جنائية ضد صاحب الأصول، تصبح الإجراءات أكثر تعقيدا، وقد يكون عليه مواجهة اتهامات إضافية. وفي بعض الحالات، قد يقبل المتهمون صفقات اعتراف بالذنب التي تلغي الحاجة إلى أوامر مصادرة، حيث يسلم المتهمون المفاتيح الخاصة طوعا كجزء من الاتفاق.
أما في المملكة المتحدة، فينظم قانون عائدات الجريمة لعام 2002 كيفية التعامل مع العملات المشفرة المصادرة، حيث يتم تخصيص 50% من العائدات لوزارة الداخلية، بينما تُقسم النسبة الباقية بين الشرطة، النيابة العامة، والمحاكم. كما قد يتم تخصيص جزء من الأصول المصادرة لتعويض ضحايا الجرائم المتعلقة بالكريبتو.
في أوروبا، تسعى السلطات، عند اكتشاف معاملات غير قانونية، للحصول على أمر قضائي لتجميد أو مصادرة الأصول، وتتعاون في هذا الصدد مع منصات الكريبتو. في القضايا العابرة للحدود، قد تقدم هيئات مثل اليوروبول الدعم اللازم. تُخزن الأصول المصادرة في محافظ تحت إشراف الحكومة، وتخضع للمزادات أو التصفية بعد صدور حكم الإدانة، وذلك حسب قوانين البلد.
وفي الهند، تعمل الجهات القانونية، مثل فرق الجرائم الإلكترونية، على مصادرة العملات المشفرة عند اكتشاف نشاط غير قانوني. وتسعى السلطات للحصول على أوامر قضائية لتجميد الأصول أو مصادرتها، وتُحفظ الأصول المصادرة في محافظ حكومية إلى حين صدور الحكم النهائي.
أمثلة على مصادرة العملات المشفرة:
شهدت السلطات الحكومية العديد من عمليات مصادرة العملات المشفرة على مر السنوات، شملت عمليات المصادرة شهيرة من منصات تداول مثل Bitfinex وSilk Road وMt. Gox.
مصادرة أموال Bitfinex
في عام 2022، استعاد المسؤولون الفيدراليون في الولايات المتحدة حوالي 3.6 مليار دولار من عملة البيتكوين المرتبطة بالاختراق الشهير لمنصة التداول Bitfinex عام 2016، حيث تمكن المتسللون حينها من سرقة نحو 120 ألف بيتكوين. بعد تحقيقات مطولة، تم ربط الأموال بشخصين بعد سنوات من الحادثة.
تسليط الضوء على هذه القضية أظهر قدرات التحليل المتقدمة في تقنية البلوكشين، حيث تمكّنت السلطات من تتبع الأصول المصادرة، مما يوضح أن حتى الأموال غير المشروعة القديمة يمكن تتبعها ومصادرتها.
حملة صارمة على Silk Road
في عام 2013، صادرت الحكومة الأمريكية حوالي 144 ألف بيتكوين من سوق "Silk Road"، الذي كان يُستخدم لتسهيل عمليات بيع المخدرات غير القانونية عبر الإنترنت. وكان القبض على "روس أولبريخت"، مؤسس السوق، جزء من عملية واسعة لمكافحة الأنشطة غير المشروعة المرتبطة بالعملات المشفرة. عقب المصادرة، عرضت خدمة المارشال الأمريكية البيتكوين المضبوطة في مزاد علني. وتبقى قضية "Silk Road" نقطة محورية في تنظيم ومكافحة الجرائم المتعلقة بالعملات الرقمية.
مصادرة أصول Mt. Gox
أفلست منصة تداول Mt. Gox، التي كانت أكبر منصة لتداول البيتكوين في عام 2014 بعد خسارة 850 ألف بيتكوين، بما يعادل حوالي 450 مليون دولار وقتها. عقب إعلان الإفلاس، صادرت السلطات اليابانية الأصول المتبقية، بما في ذلك 200 ألف بيتكوين واحتفظت بها في حسابات أمانة، فيما كانت تجري الإجراءات القانونية لتعويض الدائنين. في مارس 2014، أعلن الرئيس التنفيذي للشركة، "مارك كاربيليس"، عن العثور على 200 ألف بيتكوين في محفظة رقمية قديمة، مما قلل من الخسائر إلى 650 ألف بيتكوين فقط، ما جدد آمال الدائنين.
كما عينت محكمة طوكيو مدير مؤقت لإدارة القضية، وكان التحدي الرئيسي في تحديد قيمة البيتكوين المفقود مع ارتفاع أسعاره منذ الاختراق. على الرغم من اتهام "كاربيليس" بالاختلاس، إلا أنه أدين فقط بتزوير السجلات. في عام 2024، استمرت عمليات تعويض الدائنين، مع تمديد الموعد النهائي للسداد حتى أكتوبر 2025.
كيفية استخدام الوكالات القانونية للأموال المصادرة:
في الولايات المتحدة، تُلزم الوكالات الفيدرالية بتقديم خطة إلى وزارة العدل توضح كيفية استخدام الأموال المصادرة، حيث تُحدد فيها أوجه الإنفاق بدقة. بدأت مصادرة الأصول المدنية تزداد شيوعا منذ الثمانينيات كجزء من الحرب على المخدرات، لكنها واجهت منذ ذلك الحين انتقادات متواصلة. وفي بعض الحالات، تُعاد الأصول المصادرة لأصحابها كجزء من صفقات الإقرار بالذنب، إلا أن نسبة الأصول التي تُعاد لا تتجاوز 1%.
غالبا ما تُخصص الأموال المصادرة لدعم العمليات القانونية مثل شراء المعدات، التدريب، وتمويل التحقيقات. ,تُخصص بعض الولايات، مثل ولاية "ميزوري"، الأموال المصادرة لدعم المدارس العامة، لكن وكالات تنفيذ القانون غالبا ما تحتفظ بمعظم هذه الأموال عبر برنامج "التقاسم العادل الفيدرالي". ومع ذلك، تعرضت عمليات المصادرة القسرية للأصول من الأفراد والشركات لانتقادات واسعة، مما يعزز الدعوات لإصلاحات تضمن نزاهة وشفافية الإجراءات.
ويرى العديد من الخبراء ضرورة تنفيذ إصلاحات تضمن استخدام الأصول المصادرة بشكل عادل، مع توفير ضمانات تحمي حقوق الأفراد الذين قد تتعرض ممتلكاتهم للمصادرة.
اقرأ أيضا:
تشير مصادرة العملات الرقيمة المشفرة إلى الإجراءات التي تتخذها السلطات للاستحواذ على الأصول الرقمية كجزء من التحقيقات القانونية، وتتم عادة في سياق حالات الاحتيال أو غسيل الأموال أو الأنشطة غير القانونية الأخرى. عندما تشتبه الجهات القانونية بوجود نشاط غير قانوني، يحق لها مصادرة الأصول الرقمية من المحافظ المعنية. وتُحول هذه الأموال عادة إلى محافظ تابعة للحكومة حتى يتم حسم القضية قضائيا فيما بعد.
تختلف آلية مصادرة العملات المشفرة عن مصادرة الأصول المادية كالعقارات أو المركبات أو المجوهرات، إذ إن الأشياء الملموسة يمكن التحفظ عليها باستخدام القوة الجسدية، بينما يتطلب الوصول إلى محفظة العملات الرقمية امتلاك المفتاح الخاص لإجراء التحويلات. في أغلب الحالات، تتعاون السلطات مع منصات التداول التي تستضيف المحفظة للحصول على المفتاح واسترداد الأصول. هذا الأسلوب مناسب للمحافظ البرمجية، المعروفة أيضا بالمحافظ الساخنة، حيث تحتفظ منصات التداول عادة بنسخة من المفتاح. أما المحافظ المادية، أو ما يُعرف بالمحافظ الباردة، والتي تُخزن دون اتصال بالانترنت وغالبا ما تكون مملوكة من قبل الأفراد، فقد تتطلب جهود تقنية لاختراق الجهاز لاستعادة الأموال.
أفلست منصة تداول Mt. Gox، التي كانت أكبر منصة لتداول البيتكوين في عام 2014 بعد خسارة 850 ألف بيتكوين، بما يعادل حوالي 450 مليون دولار وقتها. عقب إعلان الإفلاس، صادرت السلطات اليابانية الأصول المتبقية، بما في ذلك 200 ألف بيتكوين واحتفظت بها في حسابات أمانة، فيما كانت تجري الإجراءات القانونية لتعويض الدائنين. في مارس 2014، أعلن الرئيس التنفيذي للشركة، "مارك كاربيليس"، عن العثور على 200 ألف بيتكوين في محفظة رقمية قديمة، مما قلل من الخسائر إلى 650 ألف بيتكوين فقط، ما جدد آمال الدائنين.