تحليل تحركات أسعار الذهب
بعدما تعرفنا على الذهب في المقالات السابقة، وكيفية التداول والاستثمار في الذهب، جاء دور الخطوة الأهم، وهي كيف يمكنك تحليل تحركات الذهب وفهم طبيعة السوق قبل البدء في التداول أو الاستثمار فيه، وهذا ليس بالأمر السهل فكما ذكرنا من قبل أن الذهب يتأثر بالعديد من العوامل هذه العوامل التي يجب على المحلل أن يأخذها بعين الاعتبار، نلقي عليها الضوء في هذا المقال مع شرح طريقة تحليل تحركات الذهب ومحاولة توقع اتجاهاته
ويدور مقالنا حول النقاط الرئيسية التالية
كيف يعمل سوق الذهب العالمي؟
يتم تداول الذهب عالميًا على مدار 24 ساعة، بطريقة مشابهة لطريقة تداول العملات العالمية - فوركس - بسبب التداخل بين ساعات التداول في الأسواق العالمية في جميع أنحاء العالم حيث تتوفر أسعار الذهب الحية طوال أسبوع العمل، من بداية يوم الأثنين من كل أسبوع حتى نهاية يوم الجمعة
هناك نوعان من أسعار الذهب: السعر الفوري spot وسعر العقود الآجلة futures، حيث يشير السعر الفوري إلى المعاملات التي تتم لحظيا على الذهب، في حين يشير سعر العقود الآجلة إلى المعاملة التي ستتم لاحقًا عادةً خلال بضعة أشهر ويتم استخدام نفس سعر الذهب في جميع أنحاء العالم وعادة ما يكون مقومًا بالدولار الأمريكي ويعد السوق العالمي خارج البورصة OTC هو الأكبر من حيث حجم التداول - وفقًا لمجلس الذهب العالمي، فإن حوالي 90% من تجارة الذهب العالمية تتم في سوق OTC - ويلعب دورًا مهمًا في تحديد سعر الذهب.
من أهم ما يميز سوق OTC بأن المستثمرين يتعاملون مباشرة مع بعضهم البعض، وهذا يعني أن الطرفين المقابلين يتفقان على السعر وملزمان بتسوية المعاملة (تبادل النقد بالذهب) مع بعضهما البعض، أي أن كل مشتري (يدفع عملة وهي الدولار) أمامه بائع (يعطيه في المقابل أونصة من الذهب) والعكس كل بائع أمامه مشتري
المؤثرات الرئيسية على أسعار الذهب
من المهم معرفة العوامل الرئيسية ذات التأثير الأكبر على تحركات الذهب، فالتنبؤ أو محاولة توقع اتجاهات أسعار الذهب ليس أمرا سهلا ولابد من فهم الأحداث والاتجاهات الاقتصادية الأساسية والرئيسية وبيان مدى تأثيرها حتى نتمكن من توقع اتجاهات الأسعار بالشكل الصحيح
وبما أن الذهب سوق عالمي فهناك العديد من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المختلفة وهذا يجعل من الصعب ربط التقلبات في قيمة الذهب والفضة بحدث أو ظرف واحد، فيما يلي بعض العوامل الرئيسية التي تؤثر على أسعار الذهب:
السياسة النقدية وقرارات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي
تلعب البنوك المركزية عموما دورًا مهمًا في ضمان الاستقرار الاقتصادي والمالي لأي بلد، وبالطبع العملة حيث أنها مرآة الاقتصاد، وبما أن الاحتياطي الفيدرالي هو البنك المركزي للولايات المتحدة الأمريكية فإن تحركات الدولار الأمريكي كعملة مرهونة بقرارات وسياسات الاحتياطي الفيدرالي، وبالمثل - من الناحية النظرية - ينتقل التأثير إلى تحركات الذهب، حيث أن الذهب سلعة مقومة أو مسعرة بالدولار الأمريكي، بما يجعل التأثير عكسيا بين تحركات الدولار الأمريكي - كعملة تسعير - وبين الذهب - السلعة المسعرة نفسها.
هذا يعني - نظريا - أنه في حالة تبني الاحتياطي الفيدرالي للسياسة التشديدية ( برفع الفائدة في حالة ارتفاع التضخم عن أهداف البنك ، كما هو الوضع حالياً) يرتفع الدولار الأمريكي وترتفع الفائدة الحقيقية، وهذا يقلل الطلب على الذهب (لماذا؟ لأن الذهب كسلعة لا يدر عائد، بل مجرد تجميد للأموال للحفاظ على قيمتها، فيبيع المستثمر الذهب للحصول على السندات مثلا التي تدر عليه فائدة أو عائد من امتلاكها) فينخفض سعره، والعكس صحيح في حالة تبني الاحتياطي الفيدرالي للسياسة التسهيلية (بخفض الفائدة أو شراء سندات) يخفض الدولار الأمريكي، وبالتالي ترتفع أسعار الذهب.
وعموما يمكن تلخيص العلاقة العكسية من الناحية النظرية بين الذهب والدولار بأن أي مؤثر - سياسي كان أو اقتصادي - يضغط على الدولار الأمريكي هبوطا، يسمح لأسعار الذهب بالصعود، في حين أن أي مؤثر إيجابي على الدولار الأمريكي يكبح تحركات الذهب ويضغط عليه هبوطا.
تأثير أسعار الفائدة
كقاعدة عامة أو اعتقاد شائع - وليس حتمي - أن أسعار الذهب لها علاقة عكسية مع ارتفاع أسعار الفائدة. والفكرة هي أن أسعار الفائدة المرتفعة تجعل الاستثمارات ذات الدخل الثابت مثل السندات أكثر جاذبية للأموال، فتتدفق رؤوس الأموال من الذهب الذي لا يدر عائد إلى الاستثمارات ذات العائد الأعلى مع ارتفاع أسعار الفائدة لهذا تنخفض أسعار الذهب ليس فقط مع القرارات بل حتى مع التوقعات بشأنها، والعكس صحيح، مع الوضع في الاعتبار أن تلك العلاقة الشائعة ليس لها أي دلالات إحصائية لكنها عامل من ضمن مجموعة من العوامل التي تؤثر في أسعار الذهب
كمثال، كانت آخر دورة رفع أسعار فائدة قام بها بنك الاحتياطي الفيدرالي في مارس 2022 بسبب قفزة التضخم التي أعقبت الغزو الروسي لأوكرانيا بعدما تسببت التوترات السياسية بينهما والتهديدات في ارتفاع أسعار الذهب كونه ملاذ آمن كما ذكرنا والذي أعقبته إجراءات الفيدرالي لزيادة أسعار الفائدة لخفض التضخم، وبعدها دخل الذهب في دوامة الهبوط حتى الربع الثالث من نفس العام وصولا إلى قاع تجاوز 1630 دولار للأوقية حيث أن الرفع المستمر لأسعار الفائدة يغري المستثمرين بالعوائد المرتفعة على السندات و استثمارات الدخل الثابت التي تسحب الاستثمارات من الذهب وبالتالي انخفض سعره خلال تلك الفترة.
ومع نهاية الربع الثالث من عام 2022 بدأت أسعار الذهب في التعافي لتقترب مع نهاية العام من مستويات 1840 دولار للأوقية وتستمر في الصعود مع بداية عام 2023 وصولا إلى نفس القمة التي هبطت منها في الربع الأول من عام 2022 وكان ذلك بالتزامن مع ظهور علامات اعتدال في التضخم وتوقع تباطؤ رفع أسعار الفائدة من جانب الفيدرالي
تحليل الذهب هو لعبة تسعير
بالنظر إلى أسعار الذهب بعيدا عن فكرة القيمة، نجد أن آليات تسعيره لا تتوافق دائما مع محركاته الأساسية - اقتصادية كانت أو سياسية - وذلك بسبب معنويات السوق، وحالة شهية المخاطرة التي تلعب دورا فعالا في التأثير على تحركات الأسعار، لذلك يكون من الصعب تحليل الذهب كمجرد سلعة اعتمادا على العرض والطلب فقط، لكن يفضل النظر إليه كعملة، عملة لها قيمة نسبية يمكن توقع اتجاهاتها المستقبلية بناء على ميول السوق
ومعنى هذا أنه بالرغم من أهمية أساسيات الذهب التي سلطنا الضوء عليها في هذا المقال والمقالات السابقة بالتفصيل، إلا أن الاعتماد عليها في التحليل ومحاولة التنبؤ بتحركات الذهب من خلالها يخضع في المقام الأول لتصورات وميول المستثمرين أنفسهم الذين يقومون بتسعير التأثير طبقا لحالة السوق وهذا ما يعطي أهمية لتوقعات وتخمينات بعض المؤشرات والأحداث الاقتصادية ربما بقدر أكبر من صدور الخبر نفسه، وهنا يكون للتحليل الفني دوره المبرر أمام التحليل الأساسي في محاولة الربط بين تأثير الأساسيات كـ لعبة قيمة للذهب، أمام التأثير المباشر على تحركات الأسعار كـ لعبة تسعير
يتم تداول الذهب عالميًا على مدار 24 ساعة، بطريقة مشابهة لطريقة تداول العملات العالمية - فوركس - بسبب التداخل بين ساعات التداول في الأسواق العالمية في جميع أنحاء العالم حيث تتوفر أسعار الذهب الحية طوال أسبوع العمل، من بداية يوم الأثنين من كل أسبوع حتى نهاية يوم الجمعة
نظريا - أنه في حالة تبني الاحتياطي الفيدرالي للسياسة التشديدية ( برفع الفائدة في حالة ارتفاع التضخم عن أهداف البنك ، كما هو الوضع حالياً) يرتفع الدولار الأمريكي وترتفع الفائدة الحقيقية، وهذا يقلل الطلب على الذهب، والعكس صحيح ...
بالرغم من أهمية أساسيات الذهب التي سلطنا الضوء عليها في هذا المقال والمقالات السابقة بالتفصيل، إلا أن الاعتماد عليها في التحليل ومحاولة التنبؤ بتحركات الذهب من خلالها يخضع في المقام الأول لتصورات وميول المستثمرين أنفسهم الذين يقومون بتسعير التأثير طبقا لحالة السوق وهذا ما يعطي أهمية لتوقعات وتخمينات بعض المؤشرات والأحداث الاقتصادية ربما بقدر أكبر من صدور الخبر نفسه