منذ عام 2014 و الصين تؤكد على استحقاق أوروبا بجدارة على لقب " القارة العجوز " الذى أطلقه عليها " دونالد رامسفيلد " وزير الدفاع الأمريكى الأسبق عام 2003 ، من يومها و حلفاء الغرب الديموقراطي يتجادلون حول معنى العجوز ، فهى فى طور الشيخوخة الاجتماعية تارة و مصدر الحضارات القديمة تارة ثانية ، و ممثلة الحكمة و القيم الإنسانية العليا تارة اخرى ... جدال واسع بين قيادة أمريكية موحدة تحوى 4.6% من سكان العالم و بين 51 دولة أوروبية تشكل 11 % من سكانه .
هنا تطلق الصين إبتسامة صفراء كبيرة ، فكل شىء تقريبا فى صفها من الأقدمية الحضارية مرورا بالحكمة التاريخية التى يتوارثها مواطنيها " 18% من سكان المعمورة " ، وصولا لصعودها الاقتصادى العظيم بسلمية تامة مع دول العالم و هى تفصيلة هامة يفتقر إليها الغرب الذى احتل و استعمر كثير من الدول لصناعة مجمل أمجاده التى يتباهى و يهمين بها الآن ، و هذا ما أكد عليه بكل ثقة الرئيس الصينى "شى جينبينج" فى جولته الأوروبية 2019 عندما قال " نحن لا نسعى للهيمنة العسكرية أو الجيوسياسية ، نحن نراقب فقط كيف تسقط الحواجز القديمة أمام القوة الناعمة الصينية "
الآن أوروبا و فى القلب منها فرنسا تحتفى بزيارة الرئيس " شى جينبينج " الثالثة منذ 2014 و ذلك تزامنا مع الذكرى 60 للعلاقات بين البلدين حين اعترفت باريس كأولى العواصم الغربية بجمهورية الصين الشعبية ، و لكن ما جرى خلال السنوات العشر الأخيرة تختصره البيانات الإجمالية للبنك الدولى و التى تفصح عن نمو هائل فى حجم اقتصاد الصين بنحو 80% مقابل 24% فقط على أقصى تقدير لدول الإتحاد الأوروبي مجتمعة كثالث أكبر تكتل سكانى و اقتصادى عالميا .
إذن فى العقد الأخير تبدو سرعة القارة العجوز كأحد مظاهر الشيخوخة أقل بثلاثة أضعاف عن التنين الجامح المشغول عمليا بإغراق العالم بصادراته الأجود غالبا و الأرخص دائما عن مثيلاتها الغربية ، فى الوقت الذى تعكف فيه أوروبا نظريا على دراسة استراتيجيات فعالة لمواجهة النفوذ الصينى كنوع من ذر الرماد فى العيون الأمريكية التى ترى فيه عنوانا إعلاميا فقط بعيد فعليا عن ما تقوم به الصين فى أوروبا و ما تسمح به دولها نفسها للاستفادة من توازن التبعية لواشنطن و بكين معا حتى إشعار آخر يتفوق فيه طرف على آخر .
و هو ما يتضح من شواهد الأحداث فى حجم التجارة بين الاتحاد الأوروبي مع الصين بنحو 2.3 مليار دولار يوميا و استحواذ الأخيرة على أكثر 10 % من نشاط و اصول أهم الموانىء الأوروبية خلال الخمس سنوات الأخيرة ، و احتكار 30% من سوق السيارات الكهربائية فى أنحاء أوروبا ... هذا يتم عمليا ، بينما يبحث الساسة من الطرفين على الشاشات قضايا نظرية حول حقوق الملكية و المعاملة بالمثل و سبل مضاعفة الرسوم الجمركية على بعض الواردات للتهدئة أو السخرية من القلق الأمريكى ، أيهما أوقع .
- ختاما ... العالم الآن فى خضم مباراة تاريخية على ملعب القارة العجوز بين إعادة اختراع أوروبا موحدة و شابة كضرورة أمريكية عليا تمنع من تمدد الصين فى إيجاد شركاء منقسمين لها فى قلب المعسكر الغربى ، و بين إصرار بكين على تحقيق حلم " شى " العظيم بتصيين أوروبا اقتصاديا و تقنيا و إعادة إنتاج قارة " اوراسيا " للعالم تحت قيادة التنين .
Upcoming Educational Courses
How to kick-start 2025
- Thursday 09 January 04:00 PM
- 120 Minute
- Dominique El Khoury
Free online
The digital method and its applications to different pairs
- Thursday 09 January 08:30 PM
- 120 Minute
- Shant Bdzekov
Free online
Free online