ما لا تعرفه عن القرارات الصينية الأخيرة وتأثيرها على مصير الأسواق العالمية
كان بنك الصين الشعبي قد أصدر قرار مفاجئ هذا الأسبوع بخفض قيمة اليوان تماشياً مع الأوضاع الاقتصادية حول العالم. وقد تسبب هذا القرار في إثارة التساؤلات حيال توجهات بنك الصين والرغبة في معرفة الدوافع وراء إتخاذ مثل ذلك القرار. ونظراً لأهمية تلك القرارات والتي قد تكون ذو تأثيراً قوياً على مسار الاقتصاد العالمي خلال الفترة المقبلة، نقدم لكم هذا التقرير للإطلاع على تفاصيل قرارات بنك الصين الأخيرة وما هو تأثيرها المحتمل على كل من الأسواق العالمية والمحلية.
أولاً، لابد وأن نعلم بأن العملة الصينية تختلف عن نظيراتها حول العالم، وذلك لأن بنك الصين الشعبي يقوم بتحديد سعر الصرف بشكل يومي مقابل الدولار الأمريكي معتمداً على تطور الأوضاع الاقتصادية. على الصعيد المحلي، يعمل البنك على إبقاء تحركات اليوان محدودة مقابل الدولار على ألا تتخطى نسبة 2% صعوداً أو هبوطاً خلال تداولات اليوم الواحد. كان بنك الصين يعتمد في ذلك على الأوضاع القائمة خلال كل يوم على حدة دون النظر إلى الأوضاع السابقة، ولكنه أعلن مؤخراً بأنه سيتم وضع تطورات الأسواق خلال اليوم الأخير ضمن اعتباره. على الرغم من أنه بعد أن أصدر قرار خفض قيمة اليوان للمرة الأولى يوم الثلاثاء الماضي، قد أكد على أن هذا القرار استثنائياً، إلا أنه قام بتكرار ذلك الأمر خلال اليومين التاليين موضحاً إلى إحتمالية التدخل مرة أخرى في حال الضرورة.
ثانياً، ما هي أسباب لجوء بنك الصين إلى إتخاذ هذا القرار المفاجئ؟
اتجهت أغلب الآراء إلى أن استمرار ضعف البيانات الصينية هو الدافع الرئيسي وراء قرارات بنك الصين الأخيرة. كانت أحدث البيانات الصادرة مؤخراً قد أظهرت تراجع الصادرات الصينية بنسبة 8.3% خلال يوليو الماضي ، وهي أعلى نسبة تراجع يشهدها قطاع الصادرات بالصين على مدار أربعة شهور. على الجانب الأخر، فقد تراجعت الواردات أيضاً بنسبة 8.1% خلال نفس الفترة في ظل ضعف معدلات الطلب المحلي. هذا فضلاً عن تراجع عمليات الشحن إلى منطقة اليورو بنسبة 12.3% وتراجع الصادرات إلى اليابان بنسبة تصل إلى 13%، كما تراجعت الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 1.3%.
على هذا النحو، فقد أظهر الميزان التجاري بالصين تراجع الفائض إلى 43 مليار دولار خلال يوليو الماضي. مقابل 46.5 مليار خلال يونيو، ولهذا فإن تراجع فائض الميزان التجاري لثاني أكبر الكيانات الاقتصادية حول العالم هو ليس بالأمر الطبيعي.
ثالثاً، أهمية قرار خفض قيمة اليوان على الاقتصاد الصيني. إن خفض قيمة العملة المحلية من شأنه أن يعمل على تحفيز قطاع الصادرات حيث يزيد من القدرة التنافسية للسلع الصينية في الأسواق العالمية. بالتالي، سوف تساهم قيمة العملة المنخفضة في تنشيط معدلات الإنتاج داخل البلاد ومن ثم دعم معدلات التضخم . لكن على الصعيد الأخر، فإن ذلك الأمر قد يثقل على بعض الاقتصادات الأخرى حول العالم. فخفض قيمة اليوان أمام منافسيه من العملات سوف يوجه الأنظار نحو المنتجات والسلع الصينية نظراً لانخفاض قيمتها بالمقارنة مع السلع الأخرى، الأمر الذي سوف يضع مزيداً من الضغوط على الاقتصادات المصدرة الأخرى حول العالم.
على الصعيد الأخر، فإن تلك القرارات سوف تشكل ضغوطاً على البنوك المركزية حول العالم من أجل خفض قيمة العملة المحلية حتى تتمكن السلع المحلية للدول المختلفة من المنافسة في الأسواق العالمية. كما أن ذلك قد يتسبب في هبوط أسواق السلع العالمية خاصة في ظل توقعات ضعف معدلات الطلب الصينية. هذا فضلاً عن أنه قد يعمل على زيادة التدفقات المالية خارج الصين تحسباً للمزيد من خفض قيمة اليوان في المستقبل.
رابعاً، قرارات بنك الصين وتأثيرها المحتمل على مصير الأسواق. مازالت الأسواق تحاول استيعاب القرارات الأخيرة من قِبل بنك الصين الشعبي. فمن الواضح أن استمرار تباطؤ النمو الاقتصادي داخل البلاد، بالإضافة إلى هبوط سوق الأسهم الصينية منذ أسابيع قليلة ماضية، قد أثار الذعر في نفوس صناع القرار مما دفعهم إلى ضرورة التحرك ومواجهة تلك التقلبات العنيفة التي مر بها الاقتصاد الصيني طوال الفترة الماضية والحد من تداعياتها. جدير بالذكر أن تفاعل الأسواق مع تلك الإجراءات قد انعكس على تكثيف عمليات البيع على العملات الآسيوية بشكلٍ عام فور صدور القرار.
هذا، ومازالت تداعيات القرارات الصينية الأخيرة على الأسواق العالمية غامضة، فمع تردي الأوضاع الاقتصادية حول العالم بلا استثناء، فمن الصعب أن نحكم على تلك الخطوات خلال الفترة الراهنة. لهذا، فمن الضروري مراقبة تطورات الأسواق خلال الفترة المقبلة وبالأخص البيانات الصينية للاستدلال على مدى فاعلية تلك الخطوات وهل بالفعل سوف تساهم في تصحيح مسار النمو الاقتصادي أم ستزيده سوءاً.