اليونان بين الإفلاس والتقشف
جاءت الحكومة اليونانية الجديدة لتضع اليونان فى وضع تصادمى مع دائنيها الأوروبين فى ضوء القرارات الأخيرة التى تم إتخاذها. فى الوقت الذى تتفاقم فيه الأوضاع اليونانية، فمن الممكن أن تواجه الحكومة عجز مالى فى وقت قريب، الأمر الذى قد يؤدى إلى فرض ضوابط على رؤؤوس الأموال خلال الأسابيع القليلة القادمة. هذا بالإضافة إلى أن اليونان قد تضطر للخروج من منطقة اليورو والعودة مجدداً إلى الدارخما اليونانية. فقد قاد رئيس الحكومة الحكومة الجديدة "تسيبراس" اليونان إلى وضع يصعب فيه تسوية الأوضاع. كما أن منطقة اليورو لا تبدى أى استعداد للتخلى عن قوانينها أو إتخاذ أى إجراءات استثنائية، فى حين أن هناك دول أخرى كأسبانيا، البرتغال و ايرلندا، ممن تعرضوا إلى سياسة التقشف، تدعم تسهيل الإجراءات المتخذه بخصوص اليونان. فقد كانت التسويات ممكنة حتى تحدث رئيس وزراء الحكومة اليونانى، وطالب الحكومة بإسقاط بعضاً من ديونها الدولية والتخلي عن أى التزامات بخصوص برنامج المساعدات المالية.
فى المقابل، فقد وافقت دول منطقة اليورو والبنك المركزى الأوروبى على زيادة سندات الخزانة اليونانية قصيرة الأجل فى محاولة لتجنب الأزمة المالية التى سوف تصل إلى ذروتها الشهر المقبل. كما قام البنك بإعادة الاحتياطى المؤمن للبنوك اليونانية مرة أخرى.
ولم يكتفى رئيس الحكومة اليونانى بالمطالبة بتخفيف شروط برنامج المساعدات المالية بل إنه نكث بوعوده الانتخابية ومنها رفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 28%، رفع الحد الأدنى للأجور المعفى من الضرائب بنسبة 140%، إلغاء مشاريع الخصخصة وإعادة هيكلية سوق العمل. ليس هذا فقط، فقد طالب ألمانيا بإعادة منح اليونان التعويضات اللازمة جراء احتلالها لليونان خلال الحرب العالمية الثانية. كما انتقد النظام المصرفى بالدولة، معلناً إلغاء حصانة مديرى بنك اليونان. كما أشار إلى وقف آلية الاستقرار المالي في اليونان، والتى مكنت منطقة اليورو من ضخ ما يقرب من 50 ميار يورو لإنقاذ البنوك اليونانية. علاوة على ذلك فسوف يتم مراجعة القانون كى تتمكن الهيئة من ممارسة عملها دون الخضوع لأى قيود.
وقد أكد "تسيبراس" أن المعايير المصرفية هى محط جدل حيث أنه من المفترض أن يتمتع كلاً من بنك اليونان وهيئة الاستقرار المالى بالاستقلالية عن الحكومة. فى الوقت نفسه،فقد وافقت دول منطقة اليورو على إقراض اليونان الأموال الكافية حتى تتمكن البنوك اليونانية من إستعادة رؤوس أموالها.
وأخيراً فإن المركزى الأوروبى قد يتخوف بشأن عدم قدرة البنوك على تسديد ديونها. الأمر الذى قد يدفع بنك اليونان لوقف السيولة الطارئة لدائنيه، وهو الملاذ الأخير بعدما تخلى المركزى الأوروبى عن دور المقرض الأساسى. فقد أعلن "تسيبراس" أنه يسعى لتأمين عمليات تمويل من منطقة اليورو حتى يتم التوصل إلى إتفاق، لكن عليه أن يدرك بأن فى حال عدم تلقى اليونان تمويل بالوقت الحالى، فقد تعلن الحكومة إفلاسها بحلول الشهر القادم.
هكذا، فإن "تسيبراس" قد توجه بالفعل لخطة بديلة وهى إقناع الشعب اليونانى بخروج اليونان من منطقة اليورو، إلا أن ما يقرب من نسبة 70% يفضلون البقاء. لذلك فلابد على منطقة اليورو أن تتسم بالهدوء والعدل، فإن خروج اليونان من المنطقة ليس فى صالحها. على الجانب الأخر، فإنه من الصعب الموافقة على عمليات التمويل وفقاً للشروط التى تقدمها الحكومة اليونانية، كما أنها بذلك سوف تمكن "تسيبراس" من تهديد الاستقرار المالى. أما فى حال عدم قدرة الشعب اليونانى على استرداد أمواله من البنوك نتيجة عجز السيولة، فسوف يتسبب هذا فى حالة من الغضب والتى قد تنتج عن عودة اليونان للداخارما (عملة اليونان قبل اليورو) مرة أخرى. ولذلك، فمن الضرورى أن تضع منطقة اليورو أسوأ الاحتمالات فى الاعتبار.