التحديات التي تواجه رفع معدلات الفائدة الأمريكية

التحديات التي تواجه رفع معدلات الفائدة الأمريكية

ربما تكون الأخبار حول انخفاض أسعار النفط جيدة بالنسبة للمستهلكين الذين يجدون فيها انخفاض أسعار السلع الأخرى، لكن الأمر قد يكون مزعجاً بالنسبة لجانيت يلين، محافظ الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، فعلى الرغم من زيادة إجمالي الناتج المحلى في الولايات المتحدة بنسبة 5% إلا أن الاقتصاد الأمريكي على وشك مواجهة ضغوط انكماشية خلال الفترة المقبلة.

ومن ثم، يواجه الاحتياطي الفيدرالي معضلة اقتصادية تجمع بين النمو السريع وتراجع الأسعار على نحو قوي في الوقت ذاته. بينما تبدو الأدوات المتاحة أمام يلين للتصدي للانكماش قليلة.

في واقع الأمر، قد يتجه الاحتياطي الفيدرالي إلى الإبقاء على المعدلات المنخفضة، وبالتالي لا مجال للحديث عن رفع معدلات الفائدة في الوقت الراهن، بالرغم من  أن النمو الذي يشهده الاقتصاد الأمريكي يستدعي رفع الفائدة لكن ليس في ظل مثل هذه الظروف.

ويذكر أن الاحتياطي الفيدرالي لم يشهد مثل هذه الظروف منذ 1980، واستطاع الخروج منها في عام 1990 بالوصول إلى معدلات التضخم عند 5%.

هذا وقد تراجع كل من خام برنت و خام النفط بنحو أكثر من 50% منذ يونيو الماضي بسبب انتعاش صناعة الصخر الزيتي بالولايات المتحدة التي أدت إلى زيادة إنتاج المواد الخام وضعف الطلب عليها في ظل تباطؤ نمو الأسواق الناشئة، ثم زادت حدة الأزمة مع قرار الأوبك في نوفمبر الماضي بعدم خفض الانتاج. الأمر الذي دفع معدلات التضخم نحو التراجع أدني النسبة المستهدفة لدى الاحتياطي الفيدرالي والتي تبلغ 2%، لذا تم تأجيل رفع معدلات الفائدة رغم تعافي الاقتصاد.

وفقاً لما جاء في المذكرة التي كتبها مؤخراً "جان هاتزيوس"، كبير الاقتصاديين في مؤسسة جولدمان ساكس:

" من المنطقي أن يقم الاحتياطي الفيدرالي برفع معدلات الفائدة حتى وإن ظلت معدلات التضخم مقتربة من 1%، مادام أن هذه الظروف هي مجرد أمرًا مؤقتًا. لكن يظل مثل هذا القرار متوقفاً على قوة البيانات الأمريكية".

لذلك، من المتوقع أن يطرح الاحتياطي الفيدرالي أمر معدلات التضخم المستهدفة 2% جانباً إذا أشارت لجنة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى أن تراجع الأسعار مترتب على عوامل قصيرة المدى قد تستقر في وقت قريب أم ستستمر في دفع معدلات التضخم نحو مزيد من التراجع.

يتوقع صندوق النقد الدولي أن يبلغ النمو في الولايات المتحدة 3.1% بنهاية 2015 في حين وصلت معدلات البطالة خلال شهر ديسمبر إلى 5.6%، ويرى الاقتصاديون أنه معدل طبيعي وفي حال الوصول أدناه قد ترتفع الأسعار مدفوعة بارتفاع الأجور.

كما أشارت يلين إلى أن ضعف نمو الأجور ليس من أحد الأسباب الهامة التي تبقي على معدلات الفائدة عن مستويات منخفضة، وربما يعكس ضعف نمو الأجور "حالة من الركود في معدلات الأجور بوجٍه عام" وقد تحد حالة الركود من وتيرة الارتفاع، حيث أنه من المحتمل أن يتراجع دخل العاملين بأكثر مما سبق ( تنفق الشركات أموال أكثر على أصحاب الأسهم والاستثمارات دونًا عن الموظفين) مع ملاحظة أن الأشخاص غير العاملين يجدون صعوبة للعودة إلى العمل مرة أخرى بأكثر مما كان متوقعًا.

لذلك يحتمل أن يتم تأجيل رفع معدلات الفائدة لحين ظهور أثر ارتفاع الأجور على إنفاق الأسر، والتغلب على المخاوف العالمية بشأن الانكماش الذي يواجه غالبية الكيانات الاقتصادية المتقدمة مما يزيد من الضغوط على لجنة الاحتياطي الفيدرالي لتأجيل رفع الفائدة وإن كان معدل التضخم أدني الهدف.

مع ذلك، هناك مخاطر قوية أمام هذه الاستراتيجية. فإن استمرار تراجع معدل التضخم بسبب انخفاض أسعار السلع سيغطي على قوة نمو الاقتصاد الأمريكي، وبمجرد انتهاء تراجع معدل التضخم قد يسير في الاتجاه المعاكس وفي هذه الحالة تصبح السيطرة عليه أكثر صعوبة.

ويجدر الإشارة هنا إلى كثرة التوقعات بنمو معدلات التضخم خلال السنوات القليلة الماضية والتي كانت بمثابة عقبات وجب التغلب عليها. بالرغم من ذلك يلاحظ وجود تغير في اتزان المخاطر حيث يشهد الاقتصاد الأمريكي تعافيًا من آثار الأزمة العالمية بالإضافة إلى أنه بصدد تعويض الخسائر التي تكبدها منذ ذلك الحين.

وجدير بالذكر أن الاحتياطي الفيدرالي عليه إيجاد استراتيجية آمنة للخروج من سياساته التسهيلية التي كانت من شأنها إنقاذ الدولة من الأزمة الاقتصادية في الوقت الذي تزيد فيه حدة الأزمة في ظل تراجع أسعار النفط.

 


large image
الندوات و الدورات القادمة
large image