البنوك المركزية تتأهب للعمل
مع قدوم البيانات الاقتصادية الأمريكية على نحو أفضل قليلاً من توقعات السوق، تعكس عمليات البيع المفرطة التي جرت في أسواق الأسهم وعلى العملة الأمريكية الرغبة في جني الأرباح قبل أسبوع زاخر بعمليات التداول على نحو استثنائي. وعلى مدار الشهر الماضي، جرت عمليات بيع ضخمة على الدولار الأمريكي، وهو ما دفع عملات أخرى مثل اليورو والدولار الأسترالي إلى مستويات قصوى. أما الآن، فإننا نرى حالة من التردد في الوقت الذي يتساءل فيه المضاربون هل لا زال هناك بعض المشترين في السوق لدفع تلك العملات حتى ولو عاليًا قليلاً. وثمة مقدار لا بأس به من البيانات على مدار أيام التداول الأربعة المقبلة، ويبدو لنا أن الأمر الأكثر حساسية بالنسبة لأغلب متداولي العملة يتمثل في الحد من الخطورة في ظل التشكك في النتائج المقبلة. ومثالاً على ذلك، نرى في هذا المساء أن هناك بنكين مركزيين بصدد إعلان السياسة النقدية التابعة لهما، ومن المتوقع لهما أن يصدرا قرارين من شأنهما تحريك الأسواق. وثمة توقعات في أن يكون البنك الاحتياطي الأسترالي وبنك اليابان من أوائل البنوك التي ستُقدم على التحرك. من ناحية أخرى، تعتبر التغيرات التي من المتوقع لهما فعلها مختلفة تمامًا بين ليلة وضحاها. ومن المتوقع للبنك الاحتياطي الأسترالي رفع معدلات الفائدة التابعة لها للمرة الأولى منذ شهر مايو، في الوقت الذي تشير التوقعات فيه إلى احتمالية أن يزيد بنك اليابان من التسهيلات النقدية الخاصة به. وإذا ما سار البنكين على هذا النهج المتوقع لهما، فسنرى أن هذين أحد البنكين اتجه إلى تضييق السياسة النقدية في الوقت الذي اتجه فيه الثاني إلى التسهيل. ونتيجة لهذا، قد يتساءل الكثير من المتداولين لما يستقر زوج (الأسترالي/ ين) في نطاق تداول محصور بين 150 نقطة على مدار الأسبوعين الماضيين؟ وتكمن الإجابة في توقعات السوق حيال ما الذي من الممكن حدوثه عقب صدور قراري الفائدة للبنكين.
من المتوقع للبنك الاحتياطي الأسترالي رفع معدلات فائدته، ولكن ماذا بعد؟
تتوقع الأسواق في الوقت الحالي بنسبة 75% أن يُقدم البنك الاحتياطي الأسترالي على رفع معدلات الفائدة التابعة له على مدار بمقدار 25 نقطة أساس، ليصل بإجمالي معدل الفائدة إلى 4.75%. ومن جانبنا، فإننا نقر بفاجأتنا بسرعة تغير توقعات السوق عما كانت عليه قبل 3 أسابيع، حيث كانت توقعات السوق بشأن إقدامه على رفع معدلات الفائدة قبل نهاية العام تبلغ 40% فقط. ففي تلك الفترة، لم تكن البيانات الاقتصادية الأسترالية أفضل حالاً في ظل انكماش النشاط التصنيعي للمرة الأولى منذ 9 شهور، إذ هبطت تصاريح البناء على نحو حاد، كما تداعت ثقة المستهلك للمرة الأولى منذ 3 شهور. ويرجع السبب الوحيد وراء أُحجية ارتفاع توقعات السوق في التصريحات الصادرة عن البنك الاحتياطي الأسترالي والتي كان مغالى فيها بلا ريب. ومع المستويات المرتفعة التي يتم تداول عليها زوج (الأسترالي/ دولار)، هل يرغب الاحتياطي الفيدرالي فعليًا في دفع زوج (الأسترالي/ دولار) نحو التعادل؟ من المحتمل لا. ونتيجة لذلك، فإننا نتوقع أن يفكر الاحتياطي الأسترالي كثيرًا خلال نقاشات رفع معدلات الفائدة، وذلك على اعتبار أن البيانات الاقتصادية الأخيرة لا تبرر عمليات التضيق النقدي. وما لم يرغب الاحتياطي الأسترالي فعليًا في دفع الدولار الأسترالي نحو التعادل، ونحن نظن من جانبنا أن هذا الأمر بعيد الاحتمالية إلى حد كبير، فلن يُلزم نفسه بشأن المزيد من عمليات التضييق النقدي، بل من المحتمل أن يدلي بتصريحات مفادها أن هذه قد تكون آخر عملية لرفع الفائدة قبل نهاية العام. أما بالنسبة لردة فعل زوج (الأسترالي/ دولار)، فمن الممكن هبوط الزوج حتى مع رفع الاحتياطي الأسترالي لمعدلات الفائدة التابعة له. وخير مثال على ذلك، كانت عملية رفع الفائدة التي جرت في شهر مايو. فلم يهبط الزوج فقط في هذا اليوم، بل أتاح اجتماع البنك بداية لهبوط كبير أخذ الزوج من 92 سنتًا إلى 81 سنتًا في هذا الشهر. ولن نتفاجأ إذا ما حالت التصريحات الحيادية الصادرة عن البنك الاحتياطي الأسترالي دون ارتفاع زوج (الأسترالي/ دولار) مجددًا، حتى ولو رفع الاحتياطي الأسترالي من معدلات الفائدة التابعة له.
هل ستعمل المزيد من التدابير التحفيزية اليابانية على إيقاف ارتفاع الين؟
من المتوقع أن يزيد بنك اليابان من تسهيلاته النقدية خلال هذا الاجتماع. وتوضح الحركة السعرية للين الياباني أن جهود وزارة المالية اليابانية لإضعاف عملتها كانت غير ذات جدوى. ويترك هذا الأمر الحكومة بين خيارين إما التدخل مجددًا، أو محاولة اتخاذ بدائل سياسية أخرى. وعلى اعتبار أننا لم نر حتى الآن أي أدلة أو إماءات تتعلق بالمزيد من عمليات التدخل، فثمة فرصة منطقية أخرى تشير إلى أن بنك اليابان سيعلن شراء سندات لأجل 5 و10 سنوات، ليمثل هذا خطوة وسط. أما إذا أراد إحداث صدمة بالسوق، وهو أمر محتمل، فمن الممكن أن يشتري السندات المستحقة لأجل طويل، وإنفاق الكثير من الأموال على مشتريات السندات اليابانية أو التدخل في الين وتسهيل السياسة النقدية في ذات الوقت. وما لم يؤثر بنك اليابان انتهاج أحد تلك الخيارات القائمة، فمن المحتمل أن يستمر الين في صعوده.
ويعد قراري الفائدة التابعين لبنك اليابان والاحتياطي الأسترالي هذا الأسبوع مهمين للغاية، وذلك على اعتبار أنهما سيحددان نبرة اجتماعات باقي البنوك المركزية على مدار الأسابيع القليلة المقبلة. ومن المتوقع أن يتجه البنك المركزي الأوربي وبنك إنجلترا إلى تغيير معدلات الفائدة، إلا أن بنك إنجلترا والاحتياطي الفيدرالي على مقربة شديدة من زيادة البرامج التحفيزية. وقد أفاد رئيس الاحتياطي الفيدرالي اليوم أن من شأن القيام بالمزيد من مشتريات الأصول تحفيز التعافي الاقتصادي، والمساعدة في خفض التكاليف الاقتراضية طويلة الأجل بالنسبة للأسر والشركات. وفي خطاب له، اتفق برنانك أيضًا على فكرة أن إجراء المزيد من المشتريات سيعمل على تسهيل الأوضاع المالية ومساعدة الاقتصاد. وبناء عليه، طالما أنه ما من أي تطورات إيجابية لتغيير تلك الآراء، فإنه يتعين على توقعات السياسة النقدية الاستمرار في دفع العملات، وهو ما يعني الاتجاه الهابط للدولار لم ينته بعد.
ومن المنتظر صدور تقرير ISM غير التصنيعي الأمريكي غدًا، وستكون تلك القراءة بالغة الأهمية نظرًا إلى أنها ستوضح الدرجة التي عليها النمو الوظيفي بالاقتصاد الأمريكي.
اليورو: الصين تدعم اليورو
من بين باقي العملات الرئيسة، نرى أن اليورو كان العملة الأكثر مبيعًا مقابل الدولار الأمريكي. وليس من المعتاد أن نرى تراجعًا لعملة على هذا النحو بعد اتجاهها للصعود بقوة، ومن المنتظر أن نشهد مزيدًا من الحركات التصحيحية على زوج (اليورو/ دولار) على اعتبار ارتفاع زوج العملة في منتصف شهر سبتمبر. من ناحية أخرى، كانت عمليات البيع المفرطة التي شهدها زوج (اليوو/ دولار) اليوم الأكبر من نوعها منذ السابع من شهر سبتمبر. ورغم مساهمة ضعف البيانات الاقتصادية والمخاوف الكامنة في أوربا في هبوط الزوج، إلا أنه لم يكن متزامنًا مع أسوأ يوم يشهده مؤشر داو منذ السابع من شهر سبتمبر. ويتمثل السبب الرئيس وراء ارتفاع الدولار في إحجام المستثمرين عن المخاطرة. ومع ذلك، ليس لأنه ما من أحد يرغب في شراء الدولار فإن ذلك يعني أننا يمكننا تجاهل المشكلات الكامنة في أوربا. فقد أوردت أسبانيا على سبيل المثال أن البطالة لديها تجاوزت 4 ملايين، فيما قلل البنك المركزي الأيرلندي من توقعات النمو الاقتصادي ودعى إلى المزيد من عمليات خفض الإنفاق. ويرجع السبب وراء بقاء زوج (اليورو/ دولار) في اتجاهه الصاعد إلى أن المضاربين ليسوا وحدهم من يشترون اليورو. ومن جانبه، دعم رئيس الوزراء الصيني وين اليورو الليلة الماضية، وذلك لدى قوله: "إن الصيتن تدعم ثبات اليورو ولن تقلل ممتلكاتها من السندات الأوربية". كما تعهد في الحقيقة بشراء السندات اليونانية بمجرد أن تعرضها الحكومة اليونانية مجددًا. وأنشأت الصين أيضًا صندوقًا للشحن يهدف إلى تحسين العلاقة بين صناعات الشحن بين الدول. وفي الشهور الأخيرة، أجرى المسؤولون الصينيون زيارات متكررة لأوربا بهدف إقامة علاقات أقوى بين المنطقتين. وإذا ما عدنا إلى شهر أغسطس، سنرى أن رئيس الوزراء الصينين وين كان في أسبانيا لزيارة نظيره الأسباني زاباتيرو. في غضون ذلك، حثت الصين شركاتها المحلية على زيادة التجارة والاستثمار مع أسبانيا. ومع تقديم الصين دعمها قولاً وفعلاً لمنطقة اليورو، نرى أن الطلب على المضاربة ليس بالشيء الوحيد الذي يدفع اليورو عاليًا. فتلك الخطوات من قبل الصين تهدف بوضوح إلى استباق الدولار وزيادة التجارة المباشرة مع باقي الدول. وطالما أن الصين تشتري اليورو، فمن المحتمل ألا نشهد أي تراجع عميق بالنسبة للعملة الأوربية الموحدة حتى في حالة ظهور بيانات اقتصادية واهنة. ومن المنتظر صدور قراءة مبيعات التجزئة بمنطقة اليورو غدًا، ومن المحتمل أن تدهور الإنفاق الاستهلاكي عقب تقارير الأمس المحبطة الواردة من ألمانيا وفرنسا.