بنك إنجلترا بصدد رفع الفائدة ولكن كيف يتأثر الاسترليني؟... السيناريو المتوقع!
تنتظر أسواق العملات صدور قرارات بنك إنجلترا حول السياسة النقدية والتي من المنتظر أن يكون لها تأثير قوي على تداولات الاسترليني أمام العملات الأخرى، وبخاصة بعد صدور بيانات التضخم البريطانية المفاجئة والتي كان لها تأثير قوي على الأسواق، وفيما يلي نظرة على ملابسات اتخاذ القرار داخل بنك إنجلترا:
أولا: البيانات الاقتصادية وتأثيرها على قرارات بنك إنجلترا
في الفترة الماضية، صدرت العديد من البيانات الاقتصادية البريطانية والتي ستؤثر بكل تأكيد على قرارات بنك إنجلترا حول الفائدة، ومن أهم هذه البيانات هو صدور بيانات مؤشر أسعار المستهلكين البريطانية، حيث أفادت بيانات التضخم الصادرة عن مكتب الإحصاء البريطاني، بتباطؤ نمو أسعار المستهلكين خلال شهر أغسطس الماضي، إذ سجل مؤشر أسعار المستهلكين في بريطانيا نحو 6.7% على أساس سنوي، ودون توقعات الأسواق التي أشارت لتسارع التضخم ليسجل نحو 7.0%، كما جاءت أقل أيضا من القراءة السابقة التي سجلتها بريطانيا خلال شهر يوليو الماضي والتي قدرت بما يعادل 6.8%.
وأيضا، أظهرت البيانات الصادرة عن مكتب الإحصاءات الوطنية في بريطانيا، انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.5% خلال يوليو الماضي على أساس شهري، وهو أسوأ من توقعات الأسواق التي أشارت إلى انكماش اقتصاد بريطانيا بنسبة 0.2% فقط. وفي الوقت ذاته، أظهرت البيانات أن الإنتاج الصناعي في بريطانيا قد انكمش أيضا بالمقارنة مع الشهر السابق بواقع 0.7% خلال يوليو الماضي، وجاء هذا أسوأ من توقعات الأسواق التي أشارت لانكماشه بنسبة 0.6% فقط.
وكذلك، كشفت البيانات الصادرة عن مكتب الإحصاءات البريطاني، عن إيجابية أغلب قراءات بيانات سوق العمل داخل بريطانيا خلال شهر أغسطس الماضي، وخلال الربع المنتهي في يوليو، حيث أظهرت البيانات ارتفاع عدد طلبات إعانات البطالة الجديدة في بريطانيا بنحو 0.9 ألف طلب خلال شهر أغسطس، وهو أفضل من التوقعات التي أشارت لتسجيلها ارتفاعا بحوالي 17.1 ألف طلب. وأيضا، كشفت الاحصاءات الرسمية عن ارتفاع متوسط الأجور في بريطانيا باستثناء المكافآت، بنسبة 8.5% خلال الأشهر الثلاثة المنتهية في يوليو سنويا، بينما كانت توقعات الأسواق تشير لتسجيله نحو 8.2% فقط، بينما على الجانب الاَخر، كشفت البيانات تسجيل معدل البطالة في بريطانيا ارتفاع إلى 4.3% خلال الأشهر الثلاثة المنتهية في يوليو على أساس سنوي، بما يتوافق مع توقعات الأسواق التي أشارت لتسجيله 4.3%.
وفي ضوء هدوء وتيرة التضخم داخل بريطانيا، وتضرر بيانات النمو الاقتصادي والناتج الصناعي، جنبا إلى جنب مع ارتفاع البطالة، فإن بنك إنجلترا في موقف يسمح له بالحذر وعدم الإقدام على رفع الفائدة بوتيرة قوية وإبطاء التشديد النقدي خلال الفترة المقبلة، وذلك على الرغم من استمرار ارتفاع الأجور البريطانية والتي قد تغذي ارتفاع التضخم مجددا.
ثانيا: أبرز تصريحات صانعي السياسة النقدية داخل بنك إنجلترا مؤخرا
في الفترة الماضية، تحدث العديد من صناع السياسة النقدية البريطانية ولكن أغلب تصريحاتهم مالت إلى الحذر والتأكيد على ضرورة التصدي للتضخم المرتفع، وفي هذا السياق، أدلى كبير الاقتصاديين لدى بنك إنجلترا ، هيو بيل ، ببعض التعليقات على التضخم والسياسة النقدية للبنك، وأكد فيها على أن التضخم في المملكة لا يزال مرتفعا للغاية، حيث يواجه بنك إنجلترا الآن تأثيرات الجولة الثانية من ارتفاع التضخم، وأنه ليس هناك مجال لتهاون بنك إنجلترا بشأن التضخم، وأن بنك إنجلترا بحاجة إلى إنجاز مهمته فيما يتعلق بالتضخم.
وكذلك، أكد محافظ بنك إنجلترا أندرو بايلي خلال جلسة استماع التضخم، بأن الكثير من المؤشرات تدل على أن التضخم بدأ في الانخفاض، وهذا واضح للعيان، وأنه لا يوجد تفكير جماعي في لجنة السياسة النقدية في الوقت الحالي، ولكن بنك إنجلترا لم يعد في مرحلة حيث من الواضح بأن أسعار الفائدة بحاجة إلى الارتفاع.
وبدورها، صرحت عضو السياسة النقدية لدى بنك إنجلترا كاثرين مان، ببعض النقاط المتشددة فيما يتعلق بتحركات السياسة المقبلة، وأشارت فيها إلى أنها تفضل بأن تكون على خطأ بشأن الإفراط في تشديد بنك إنجلترا لسياسته النقدية، وبأنها إذا كانت مخطئة وانخفض التضخم وتراجع النشاط الاقتصادي داخل المملكة المتحدة بشكل أكبر، فلن تتردد في خفض أسعار الفائدة، وبأن الإبقاء على أسعار الفائدة ثابتة عند المستوى الحالي يخاطر بتمكين المزيد من استمرار التضخم المرتفع.
ثالثا: توقعات المؤسسات المالية حيال قرارات بنك إنجلترا
أظهر مسح أجرته وكالة رويترز الإخبارية، خلال الفترة من 16 إلى 23 أغسطس الجاري، بمشاركة 62 اقتصادي؛ بأنه من المُرجح أن يقوم بنك إنجلترا بزيادة واحدة فقط لأسعار الفائدة لتصل إلى ذروتها عند 5.50% باجتماع شهر سبتمبر.
ومن جانبه، عدّل بنك جولدمان ساكس الشهير توقعاته لتحركات بنك إنجلترا بشأن مسار السياسة النقدية المقبلة، ومن هذا المنطلق، أوضح البنك الأمريكي بأن بنك إنجلترا على الأرجح سيتوقف بشكل مؤقت عن دورة رفع أسعار الفائدة. وتابع جولدمان ساكس بأن اجتماع بنك إنجلترا بشهر نوفمبر يشوبه بعض المخاطر المتمثلة في توالي ضغوط الأجور والأسعار على النحو الذي قد يدفع لجنة السياسة النقدية لدى بنك إنجلترا بتعليق نهجه التشديدي لفترة من الوقت. وبناءا عليه، خفض البنك الاستثماري توقعاته لذروة معدل الفائدة النهائي إلى 5.50% عن تقديرات البنك السابقة البالغة 5.75%.
لهذا السبب عدّل جولدمان ساكس توقعاته لتحركات بنك إنجلترا حول الفائدة!
رابعا: السيناريوهات المتوقعة لقرار بنك إنجلترا
يتمثل السيناريو الأول والمرجح حاليا، في أن اكتفاء بنك إنجلترا برفع الفائدة بواقع 25 نقطة فقط هذا الاجتماع، والتلميح في بيان الفائدة والمؤتمر الصحفي لمحافظ البنك بأنه على استعداد لرفع الفائدة مجددا للسيطرة على التضخم المرتفع إذا ما اقتضت الضرورة والبيانات الاقتصادية ذلك، وهذا السيناريو قد يكون إيجابي لتحركات الاسترليني أمام العملات الأخرى.
بينما السيناريو الثاني وغير المرجح حاليا، هو قيام بنك إنجلترا بتثبيت الفائدة في ضوء هدوء التضخم، وهذا السيناريو في حالة حدوثه قد يؤثر سلبيا على الاسترليني بأسواق العملات.