لماذا انقلبت الأوضاع العالمية ضد الدولار الأمريكي!
لعلك تعرضت لحالة الحيرة التي خيمت على الأسواق مؤخراً حول مستقبل الاقتصاد العالمي. فقد جاء كل من غموض الدورة الاقتصادية في العديد من الاقتصادات، تشتت اتجاهات السياسة النقدية وارتفاع حدة التوتر السياسي ليخلق حالة من الارتياب حول المسار الاقتصادي وتحركات العملات خلال الفترات القادمة. الأمر الذي سيترك المستثمرين ضحية لتقلبات الأسواق غير المتوقعة.
حتى الدولار الأمريكي، والذي تم اعتباره الصديق المفضل للمستثمرين على مدار السنوات الأخيرة، لم يكن بمنأى عن مخاوف الأسواق في الوقت الذي أصبح فيه مستقبل الاقتصاد الأمريكي مرهوناً بسياسات إدارة ترامب المالية والتجارية، الأمر الذي كان له بعض التداعيات السلبية أيضاً على تطلعات الوضع الاقتصادي وبالتالي مسار السياسة النقدية للفيدرالي الأمريكي. وبالعودة إلى تحركات الدولار منذ تولي ترامب لسلطة البلاد رسمياً نستطيع أن نرى تخبط واضح يعكس حالة الانقسام حول مستقبل البلاد.
وعلى الرغم من الضغوط التي يتعرض لها اليورو على خلفية توتر المشهد السياسي بالمنطقة الأوروبية، إلا أن آمال الأسواق مازالت مرتفعة حول مرور العملية الانتخابية بسلام وانتهاء مخاوف تفكك وحدة اليورو. وعن علاقة الدولار بآسيا، فهناك توتر واضح خاصة بعد الاتهامات التي وجهتها الإدارة الأمريكية إلى الصين بزعم منها أن تتلاعب في قيمة العملة بهدف جذب الاستثمار العالمي وتحفيز الطلب على السلع المحلية. كما سيطرت المخاوف على قرارات المستثمرين باليابان خاصة بعد التراجع الهائل في قيمة العملة خلال النصف الثاني من 2016.
معايير وزارة الخزانة تثبت خطأ إدعاءات ترامب حول تلاعب الصين في قيمة العملة
جاءت تلك التطورات لتجعل المستثمرين في حالة من الحذر حيال مستقبل الاقتصادات والعملات العالمية. وفي حين أن أغلب توقعات النمو، محركات التضخم وتطلعات الفائدة مازالت تصب في صالح الدولار الأمريكي، إلا أنها أيضاً ليست كافية لحمايته من أية صدمات سياسية قد تطرأ على الوضع العالمي.
هذ، وسوف تشهد الأسواق العالمية العديد من الأحداث المحورية خلال الشهور القادمة والتي قد تنجح في تغيير المشهد العالمي. تأتي الانتخابات الفرنسية على رأس تلك الأحداث خاصة مع تزايد فرص فوز مرشحة حزب اليمين مارين لو بين والتي أعلنت عن نيتها في إقامة استفتاء على عضوية الإتحاد الأوروبي والمغادرة في أسرع وقت. ثم تتوجه الأنظار إلى الانتخابات الألمانية، إلى جانب سياسات ترامب المالية والتي قد تساهم في تغيير تطلعات الأسواق للمستقبل الأمريكي. هذا فضلاً عن تأزم الوضع السياسي بدول آسيا، مما يجعل الأسواق في حالة من التساؤل حول ما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع الحالية.
حتى الآن، لاتزال حركة الأسواق تتسم بالهدوء إلى حدٍ كبير، لكنه على الأرجح هدوء ما قبل العاصفة.
في الحقيقة يمكن القول أن الدولار الأمريكي قد استفاد من اضطرابات الحياة السياسية بشكل واضح خلال السنوات الأخيرة، إلا أن الوضع من الصعب أن يستمر على هذا المنوال إن كان تلك الاضطرابات تنبع من الوضع المحلي. ويُرجح بعض خبراء الاقتصاد أن غموض المستقبل السياسي كان الدافع الأكبر وراء انخفاضات الدولار الحادة على الرغم من رفع الفيدرالي الأمريكي لمعدل الفائدة من جديد مع التمهيد للمزيد من رفع الفائدة هذا العام. فبالرغم من تعليق الأسواق لآمالها على سياسات ترامب في دعم الاقتصاد الأمريكي، إلا النهج التجاري الذي تعتزم إدارته تطبيقه قد يشكل عبئاً على النمو.
أربعة أسباب وراء انخفاضات الدولار بالرغم من رفع الفائدة
كما أن الفيدرالي الأمريكي لم يعد محتكر التشديد النقدي بين الاقتصادات الرئيسية، فقد اتجه البنك المركزي الأوروبي إلى مناقشة إمكانية رفع الفائدة كما أن بنك إنجلترا بصدد اللجوء إلى رفع الفائدة لاحتواء الارتفاعات المحتملة للتضخم جراء انخفاض قيمة الاسترليني منذ يونيو الماضي. بالتالي لن يكون الدولار الأمريكي هو المستفيد الوحيد من ارتفاع معدل الفائدة.
في حين أن الدولار الأمريكي يظل مدعوماً بالارتفاع النسبي لمعدل الفائدة، العائدات المرتفعة وقوة الأسس الاقتصادية إلا أن تلك الميزة لن تدوم طويلاً خاصة إن نجحت الاقتصادات الأخرى في تحقيق مستويات نمو متسارعة واللحاق بالاقتصاد الأمريكي.
في النهاية، يمكننا القول أن ثقة الأسواق في سياسات ترامب قد بدأت تتداعى وأصبح الدولار في خطر. وقد يزداد هذا الخطر إن نجحت الدول الأوروبية في التخلص من مخاطر التيار الشعبي والقضاء على مخاوف التفكك. الأمر الذي قد يوجه صدمة قوية للدولار الأمريكي بعد أن كان قد اقترب من مستوى التكافؤ أمام اليورو.
اقرأ أيضاً:
لماذا طغت الأحداث السياسية على دور البنوك المركزية في التأثير على الأسواق؟