ما لا تتوقعه الأسواق في 2017
واجه الاقتصاد العالمي العديد من الصدمات والمفاجأت خلال العام 2016، وتتزايد حالة الحذر هذا العام مع ترقب الأسواق للمزيد من الأحداث المؤثرة على مسار الاقتصاد العالمي، فضلاً عن تلك الأحداث الغير قابلة للتوقع. وفي الوقت الذي تتجه فيه التوقعات في اتجاه واحد، فإن عدم تجسد تلك التوقعات سيكون له تأثير سلبي على الأسواق وقد يدفعها إلى الانحراف عن المسار المتوقع لها.
تباطؤ الاقتصاد الأمريكي عن المتوقع.
في بادئ الأمر، تستحوذ التطلعات الاقتصادية بالولايات المتحدة على القطاع الأكبر من اهتمام الأسواق العالمية هذا العام. فمن المتوقع أن يستكمل الاقتصاد الأمريكي تعافيه خلال العام الجاري واقترابه من المستويات المستهدفة. وقد صبت تلك التوقعات في صالح سوق الأسهم التي شهدت ارتفاعات قوية في حجم الاستثمار، فيما انخفض الطلب على العائدات. ولعل ارتفاع سقف التوقعات بهذا النحو الحاد يكون بمثابة سلاح ذو حدين، فحتى وإن تم تطبيق تدابير التحفيز المالي المتوقعة من قبل حكومة ترامب، فإنها سوف تستغرق فترة من الوقت حتى يتم تفعيلها وتبدأ في الإنعكاس على الأداء الاقتصادي. وفي هذا السياق، تستقر التوقعات على تعافي أرباح الشركات مرة جديدة خلال العام الجاري خاصة إن تم تفعيل خطة خفض الضريبة على الشركات، وذلك بعد الضرر الذي لحق بأرباح الشركات مطلع العام 2016.
يأتي ذلك في الوقت الذي مهد فيه الفيدرالي الأمريكي لرفع الفائدة 3 مرات هذا العام، مما سيدفع الدولار الأمريكي للاستقرار عند مستوياته المرتفعة، مما سينعكس بالسلب على أرباح الشركات الأمريكية متعددة الجنسيات. على الجانب الأخر، تتزايد التوقعات بضعف أداء سوق الأسهم الأمريكية خلال العام 2017. أما عن سوق السندات، فقد لا يكون أداءه بالضعف المتوقع، فبالنظر إلى عائدات السندات نرى أنها تستقر قرابة الحد العلوي للنطاق 1.5% و 3%، وهو النطاق الذي استقرت فيه على مدار السنوات الأخيرة الماضية. علاوة على ذلك، فإن تكاليف إقراض القطاع الخاص، خاصة سندات الشركات والرهون العقارية ذات الفائدة الثابتة، ترتفع اقتراباً من عائدات سندات الخزانة. والجدير بالذكر أن ارتفاع تكاليف الإقراض يكون له تأثير سلبي على النشاط الاقتصادي. وهنا يكون ارتفاع العائد بمثابة حركة تصحيحية، حيث أن ضعف الأداء الاقتصادي سيدفع بالعائد إلى التراجع.
تفكك المنطقة الأوروبية.
بالرغم من المخاوف المتعلقة بضعف الأداء الاقتصادي، إلا أن الخطر الأكبر في الوقت الراهن هو تزايد حدة التوتر السياسي بدول المنطقة والذي يُضفي حالة من الغموض على المستقبل السياسي والاقتصادي للمنطقة الأوروبية. وبشكل خاص، ترتفع حالة القلق بشأن تفكك الوحدة الأوروبية خاصة إن أسفرت الانتخابات المرتقبة في عدد من دول المنطقة عن نتائج مفاجئة على غرار الانتخابات الرئاسية الأمريكية. ولكن الجانب الإيجابي هو ثقة المنظمات العالمية في صلابة الاقتصاد الأوروبي وقدرته على مواصلة النمو بنسبة قد تصل إلى 1.6%، لكن هل سينجح الاقتصاد في تحقيق تلك المستويات وهو مثقولاً بكل تلك الأعباء؟ فقط البيانات الاقتصادية خلال الفترة المقبلة هي القادرة على إجابة هذا السؤال.
تعافي أسعار الذهب.
أيضاً من الصعب توقع اتجاهات السلع والتي أصبحت أقل تأثراً بالعرض والطلب، وأكثر عُرضة لتطورات الأسواق وشهية المخاطرة لدى المستثمرين. كما أنه بات من الصعب تفسير تحركات الأسعار كما كان بالسابق، ففي أعقاب الأزمة العالمية في 2008 كان من الطبيعي أن يتجه المستثمرون إلى شراء الذهب، ولكن يصعب تفسير ارتفاعات الذهب الحادة لتتضاعف الأسعار خلال الفترة ما بين 2008 و 2011 ثم تعاود التراجع بشكل حاد منذ ذلك الحين. وفي الوقت الذي سيطرت فيه حالة الغموض على نتائج الانتخابات الأمريكية وتداعياتها، لم ترتفع الأسعار كالمتوقع بل شهدت انخفاضات قوية في الوقت الذي بدا فيه الذهب أقل جاذبية من الدولار. ولأن الذهب لا يتأثر فقط بتوقعات التضخم، لكنه أيضاً ملاذاً أمناً في أوقات التوتر السياسي، بالتالي قد يكون الطريق ممهداً أمام الذهب هذا العام ليستعيد بعضاً من قوته.