توقعات الدولار الأمريكي بعد إبقاء الفيدرالي على الفائدة
لطالما استحوذ الاقتصاد الأمريكي على اهتمام الأوساط الاقتصادية نظراً لتربعه على عرش الاقتصاد العالمي. الأمر الذي تزايد بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة بعد ان تعلقت الآمال بقدرة الاقتصاد الأمريكي على بدء مسيرة تعافي الاقتصاد العالمي من كبوته التي استمرت منذ وقوع الأزمة العالمية في العام 2008. فكلما بدأ الاقتصاد العالمي من إظهار بعضاً من التعافي اعاقته المزيد من الضغوط لتعرقل مسيرته. خلال تلك الفترة، كان الاقتصاد الأمريكي هو المصدر الأول للتفاؤل حينما تمكن من إظهار قدرٍ عالٍ من الصلابة مكنته من التماسك أمام الضغوط الهبوطية التي هيمنت على جميع الاقتصادات العالمية المتقدمة منها والناشئة.
وقد ازداد اهتمام المتداولين ومراقبتهم للأوضاع المحلية بالولايات المتحدة بعد أن أعلن الفيدرالي وبعد سنوات طويلة من التكيف مع مستويات الفائدة المنخفضة عن أول رفع للفائدة منذ ما يقرب من التسعة أعوام. الأمر الذي بعث ثقة الأسواق مجدداً في قدرة الاقتصاد الأمريكي على قيادة الاقتصاد العالمي نحو مرحلة جديدة من التعافي آملين في استمرار هذا التحسن. وقد أعرب الفيدرالي الأمريكي في بيانه لشهر ديسمبر أن القرار قد اتُخذ بإجماع كافة أعضاء اللجنة، وذلك استناداً إلى التحسن الملحوظ في أوضاع سوق العمل واستقرار معدلات التضخم بالبلاد. فطالما أكد الأعضاء وعلى رأسهم جانيت يلين بأن سوق العمل قد اقترب كثيراً من تحقيق مستويات التوظيف المرجوة، هذا إلى جانب استقرار معدل البطالة عند مستويات منخفضة. كما أكد البيان على أن الاقتصاد قد تمكن من الاستمرار في التحسن بوتيرة متوسطة على مدار العام الماضي، الأمر الذي قد يدعم المزيد من رفع الفائدة خلال العام الجاري إن استمرت الأوضاع على هذا المنوال.
من هنا بدأت الأسواق في توقع أداء أفضل من جانب الاقتصاد الأمريكي بنحوٍ يدعم الاستمرار في وتيرة التشديد النقدي، الأمر الذي لم يتحقق فعلياً على أرض الواقع، حيث أظهرت البيانات الأمريكية بعض التباطؤ الملحوظ خلال الربع الأول من العام. الأمر الذي عمل على تبديد آمال الأسواق، بل والفيدرالي الأمريكي الذي أوضح من خلال بيانه الأخير أن مخاوف اللجنة قد تزايدت في ظل التقلبات التي تشهدها الأسواق العالمية مما يشكل ضغوطاً على أداء الاقتصاد الأمريكي. ومع عودة تخوف الفيدرالي من الأوضاع العالمية، بدأت توقعات رفع الفائدة الأمريكية في التلاشي بعض الشئ خاصة بعد إعلان الفيدرالي عن خفض توقعاته لمرات رفع الفائدة هذا العام من أربعة مرات إلى مرتين فقط، مؤكداً على أنه من خلال تقييم المخاطر العالمية وتأثيرها على الاقتصاد الأمريكي، فقد رأي أنه من الأفضل أن يتم مواصلة عملية التشديد النقدي بوتيرة أبطأ مما تم توقعه خلال ديسمبر الماضي.
هذا، وعلى الرغم من أن الاقتصاد الأمريكي قد فشل في تحقيق التوقعات المرصودة له، إلا أنه لم يفقد زخمه كلياً، حيث أنه وبالنظر إلى الأداء الاقتصادي بوجهٍ عام وإلى البيانات الاقتصادية، نرى أن الاقتصاد الأمريكي مازال يتمتع بقدر كبير من الصلابة والتماسك والتي تؤهله إلى استعاده مساره نحو مستويات أفضل. فإذا نظرنا إلى سوق العمل، نرى أن مستويات التوظيف ترتفع بوتيرة ثابتة لتكن على مقربة من تحقيق المستويات المستهدفة، لتتجه الأنظار صوب معدلات الأجور في انتظار ارتفاعها مدعومة بتحسن مستويات التوظيف. هذا إلى جانب استقرار معدل البطالة عند أدنى مستوياته على مدار سنوات عند 4.9% قبل أن تفاجأنا البيانات بعودة ارتفاع البطالة إلى النسبة 5.0%. الأمر الذي تسبب في تشتت أذهان الأسواق.
سوق العمل الأمريكي لا يزال في طريقه الصحيح
مستوى التوظيف
معدل البطالة
معدلات الأجور
أما التضخم، فمازال الفيدرالي بحاجة إلى استعادة الثقة في قدرته على استكمال تعافيه والوصول إلى الهدف المحدد 2%. جدير بالذكر أن جانيت يلين قد أكدت مراراً على أن التضخم مازال بعيداً عن الهدف المحدد له مشيرة إلى أنه قد يظل على هذا النحو خلال سنوات مقبلة خاصة إن استمرت أسعار النفط في التراجع وقد جاء التباطؤ في الإنفاق الاستهلاكي الشخصي خلال الفترة الأخيرة ليزيد من الضغوط على التضخم في الارتفاع.
مستوى التضخم على أساس سنوي
ولعل الجزء الأكبر من مخاوف الأسواق قد نبع عن عودة تخوف اللجنة من الأوضاع العالمية ومدى قدرتها على عرقلة المسار الاقتصادي الأمريكي. فبعد أن كان الفيدرالي قد تخلى عن تلك المخاوف بنهاية العام الماضي، مما شكل داعماً قوياً لرفع الفائدة، فمن الواضح أن التقلبات القوية التي شهدتها الأسواق العالمية مطلع هذا العام، قد فاقت توقعات اللجنة وبالتالي أثقلت على توقعات التضخم، كما أشارت يلين في خطابها الأخير. كانت يلين قد أشارت إلى عدد من النقاط المحورية الأخرى على رأسها استعداد البنك لإتخاذ بعض التدابير التحفيزية في حال تراجع التضخم عن المستويات الحالية. جدير بالذكر أن خيار الفائدة السلبية مازال مطروحاً أمام اللجنة، طبقاً لما تشير إليه تصريحات الأعضاء، على الرغم من استبعاد هذا القرار خلال الفترة الحالية. هذا، وقد أكدت يلين على أن مسار السياسة النقدية ليس محدد مسبقاً لكنه قابل للتغير استناداً على البيانات الاقتصادية ومدى تحسنها.
أهم ما جاء في خطاب يلين محافظ الفيدرالي الأمريكي
في النهاية، كان الدولار الأمريكي عرضة للكثير من الضغوط خلال الفترة الأخيرة والتي تمثلت في تشتت الأسواق ما بين البيانات الاقتصادية وتغير نبرة الفيدرالي وتزعزع الثقة في قدرة الاقتصاد على تحقيق الأهداف المرجوة. ومن المتوقع أن يظل الدولار تحت وطأة تلك الضغوط لفترة من الوقت، بل وقد يختبر حالة من الضعف إن لم يتم استكمال وتيرة التشديد النقدي. وسيظل ارتفاع الدولار مرهوناً بتوجهات الفيدرالي خلال الفترة المقبلة ومدى تحسن الأداء الاقتصادي. جدير بالذكر أن السياسات التسهيلية التي تتبعها أغلب البنوك المركزية الأخرى، ومحاولات البعض منهم من خفض قيمة عملتهم المحلية قد يشكل أيضاً بعض الدعم الدولار.