السيناريو المتوقع لقرار الفائدة الاسترالية
تتأهب الأسواق لصدور قرار الفائدة الاسترالية خلال الساعات الأولى من صباح غداً الثلاثاء، حيث من المتوقع أن يتم الإبقاء عليها عند المستويات الحالية 2.00% للشهر العاشر على التوالي منذ أن أعلن الاحتياطي الاسترالي عن خفض الفائدة إلى أدنى مستوياتها خلال إبريل من العام 2015. يصدر القرار مصحوباً ببيان الفائدة، والذي يستحوذ على القدر الأعلى من الأهمية والتأثير وذلك نظراً لما يتضمنه من توجهات أعضاء اللجنة ورؤيتهم للأوضاع الاقتصادية ومن ثم يؤثر على الخطوات المقبلة البنك.
كان البيان الأخير الصادر عن الاحتياطي الاسترالي قد أظهر ثقة صناع القرار بالبنك حيال الأوضاع الاقتصادية بالبلاد، جاء هذا على خلفية استمرار التحسن في أغلب القطاعات باستثناء القطاع التعديني الذي لا يزال تحت وطأة التأثيرات السلبية لهبوط أسعار السلع العالمية. كما أشار البيان إلى تحسن قطاع الأعمال، ارتفاع مستويات التوظيف، تحسن الأوضاع الائتمانية والإقراض، مما عمل على تعزيز ثقة أعضاء البنك في قدرة الأداء الاقتصادي.
أما عن المخاطر الخارجية، فقد أكد البيان على أن انهيار أسعار السلع، التقلبات التي شهدتها أسواق الأسهم العالمية وخاصة الآسيوية إلى جانب تياطؤ الاقتصاد الصيني قد أثقل على العديد من الاقتصادات طوال العام الماضي، مؤكداً على مراقبة البنك لتلك المخاطر بكل حذر لتقييم مدى تأثيرها على النشاط الاقتصادي باستراليا.
أهم ما جاء في بيان الفائدة للبنك للاحتياطي الاسترالي (2 فبراير)
وبالنظر إلى الأوضاع المحلية، نرى أن تماسك الوضع الاقتصادي قد يدعم رؤية البنك في الانتظار قبل التدخل في الأسواق مرة أخرى وإتخاذ المزيد من التدابير التسهيلية. فقد تمكن الاقتصاد الاسترالي من التحسن بشكل ملحوظ ليرتفع الناتج المحلي بنسبة تجاوزت الأسواق خلال الربع الثالث من العام الماضي عند 0.9%. يأتي ذلك فضلاً عن استمرار تماسك التضخم خلال الفترة الأخيرة ليسجل مؤشر أسعار المستهلكين، المؤشر الأول والرئيسي لمعدل التضخم، نسبة 0.4% على أساس ربع سنوي خلال الربع الأخير من العام 2015 وبنسبة 1.7% على أساس سنوي متخطياً التوقعات عند 1.6% والنسبة السابقة عند 1.5%.
هذا، ولا تزال القوة التي أظهرها سوق العمل الاسترالي طوال العام الأخير من أهم العوامل المعززة من ثقة أعضاء البنك في قدرة الاقتصاد على الصمود وتحقيق أهداف النمو والتضخم المستهدفة. يأتي ذلك على الرغم من الضعف الأخير الذي أظهرته بيانات سوق العمل خلال يناير الماضي، حيث سجل التغير في التوظيف تراجعاً حاداً بواقع 7.9 ألف مخالفاً التوقعات التي أشارت إلى ارتفاع قدره 12.9 ألف، بالتزامن مع الارتفاع المفاجئ الذي سجلته معدلات البطالة بالصعود إلى النسبة 6% خلال يناير، الأمر الذي تم تفسيره بأنه يرجع إلى بعض العوامل الموسمية وقد لا يستمر طويلاً، ولكن هذا بالطبع ما سوف تؤكده أو تنفيه البيانات القادمة.
أما عن قيمة الدولار الاسترالي، فيُذكر أن البيان الأخير قد تجنب الحديث عن ارتفاع قيمة الدولار الاسترالي أمام نظيره الأمريكي مؤخراً. فعلى الرغم من تضرره القوي بانهيار أسعار السلع العالمية، إلا أن الدولار الاسترالي قد تمكن من إيجاد بعض الدعم الازم لإظهار تعافياً ملحوظاً خلال الفترة الماضية. هذا، وقد عمل ارتفاع حجم الوادرات الصينية من خام الحديد الاسترالي من سد الفجوة الناجمة عن تراجع الأسعار. فقد أظهرت البيانات ارتفاع صادرات خام الحديد إلى الصين بنسبة وصلت إلى 4.6% خلال يناير الماضي، في الوقت الذي اتجهت فيه الصين إلى خفض الإنتاج وزيادة حجم الوادرات نظراً لارتفاع تكلفة الإنتاج وتراجع الأسعار.
ولا يمكننا أن نغفل مدى أهمية الاقتصاد الصيني وتأثيره على النشاط الاقتصادي باستراليا كونها أكبر الشركاء التجاريين. في هذا الضوء، فمن المرجح أن يظل مسار الاقتصاد الاسترالي خلال الفترة القادمة مرهوناً بالعديد من العوامل الخارجية ومن أهمها بالطبع الاقتصادي الصيني والمخاوف المتعلقة بمدى التباطؤ المحتمل. هذا، إلى جانب العديد من العوامل الأخرى ولعل على رأسها التراجع المتواصل لأسواق السلع العالمية ومدى استقرار أسواق الأسهم، فضلاً عن قيمة الدولار الاسترالي المرتفعة إلى حدٍ ما والتي قد تثقل بدورها على صادرات البلاد ومن ثم الأداء الاقتصادي.
هذا، ويبقى مصير الدولار الاسترالي مُعلقاً على مدى سلبية أو إيجابية البيان المرتقب، وليس فقط على قرار الفائدة. ففي حال أكد البيان على تزايد المخاطر الخارجية التي ذكرنا منها الأوضاع الصينية، استمرار تراجع أسعار السلع (النفط وخام الحديد) وتقلبات أسواق الأسهم ، وقدرتهاعلى عرقلة مسار الاقتصاد في تحقيق الأهداف المنشودة وبالتالي التمهيد إلى المزيد من الإجراءات التحفيزية خلال الفترات المقبلة، حينها سيكون الدولار الاسترالي عُرضة للضغوط البيعية المكثفة والتي قد تدفعه إلى إعادة اختبار مستويات 0.68 مرة أخرى، وربما قد نشهد مستويات أدنى.
العكس تماماً في حال إيجابية نبرة البيان مؤكدة مرة أخرى على ثقة البنك في قدرة الاقتصاد على تحقيق أهداف النمو والتضخم المستهدفة، وبالتالي تقلص إحتمالات المزيد من خفض الفائدة على الأقل خلال المدى القريب. وفي تلك الحالة، فسيتمكن الدولار الاسترالي من إيجاد دعم قوي لمواصلة تعافيه أمام نظيره الأمريكي صوب مستويات 0.73.