الحرب التجارية: محطات هامة وسيناريوهات محتملة
سيطرت على الأسواق في الفترة القليلة الماضية المخاوف بشأن اندلاع حرب تجارية عالمية أو بالأحرى بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وهم أقوى اقتصاديين في العالم، وبالتالي سيكون لمثل تلك اندلاع الحرب التجارية بين البلدين تأثير كبير على الكثير من الدول وعلى النمو الاقتصادي العالمي، وسوف نتعرض الى الحرب التجارية بين البلدين من خلال النقاط التالية:
المقصود بالحرب التجارية
يقصد بهذا المفهوم قيام دولتين أو أكثر بفرض رسوم جمركية أو حواجز تجارية على بعضها البعض ردًا على حواجز تجارية أخرى، وبالتالي تثير هذه الاجراءات خطوات انتقامية بين الدول بما يزيد من التوترات التجارية العالمية.
بوادر ظهور الحرب التجارية
منذ تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمقاليد الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو دائما ما يطالب بضرورة وجود قواعد عادلة للتجارة مع شركاء الولايات المتحدة الأمريكية، بهدف خفض عجز الميزان التجاري والذي تخطى مستويات الـ 500 مليار دولار، وتستحوذ كلا من الصين، والإتحاد الاوروبي، واليابان، على جزء كبير من هذا العجز في الميزان التجاري الأمريكي.
ترامب ينسحب من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادىء
في يناير 2017، وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أمراً تنفيذياَ بإنسحاب بلاده من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادىء "TPP"، والتي تضم نحو 12 دولة، وتعتبر أكبر اتفاق تجاري عالمي خلال العقدين الماضيين لكونها تهدف الى إنشاء منطقة تجارة حرة بين الـ 12 دولة. غير أن الرئيس الأمريكي وصف قرار الإنسحاب من الإتفاقية بأن شيء عظيم للعامل الأمريكي، وأنه مستمر في تنفيذ تعهداته الانتخابية.
إعادة التفاوض حول اتفاقية النافتا
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن بلاده سوف تنسحب من اتفاقية النافتا والتي تضم كلاً من كندا والمكسيك والولايات المتحدة الأمريكية، نظراً لكونها تعد من أسوا الإتفاقيات في تاريخ الولايات المتحدة، وأنه يجب إعادة التفاوض حول شروط جديدة لتلك الإتفاقية من أجل فرض قواعد عادلة للتجارة بين الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، وتحقيق المصالح المتبادلة لأطراف الاتفاقية.
الإدارة الأمريكية تبدأ في فرض الرسوم الجمركية
وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قانوناً بفرض رسوم جمركية تصل الى 50% على استيراد الغسالات الكبيرة على مدى ثلاث سنوات و30% على الألواح الشمسية لمدة أربعة أعوام، بهدف حماية المنتجين في بلاده. ولقد عبرت كل من الصين وكوريا الجنوبية عن رفضهم لمثل تلك الرسوم الجديدة التي أقرتها الإدارة الأمريكية والتقدم بشكوى الى منظمة التجارة العالمية للإحتجاج على مثل تلك الرسوم.
ترامب يشعل فتيل الحرب التجارية العالمية
وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قراراً بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على واردات الصلب، وبحوالي 10% على واردات الألمونيوم، بهدف حماية الصناعة المحلية وحماية الأمن القومي الأمريكي وتوفير المزيد من الوظائف. ولكن هذا الإجراء ساهم بشكل كبير في إثارة المخاوف بشأن اندلاع الحرب التجارية العالمية، حيث عبرت كلاً من الصين، ودول الإتحاد الأوروبي، وكندا والمكسيك، وغيرهم من الدول، عن رفضهم لإقرار مثل تلك الرسوم الجمركية والتهديد بإتخاذ باجراءات مماثله لتلك الإجراء. ولكن الرئيس الأمريكي أعلن بعد ذلك استثناء بعض الدول ومن ضمنها كندا والمكسيك ودول الإتحاد الأوروبي، وأن الولايات المتحدة تتفاوض مع الكثير من الدول بشأن تلك الرسوم الجمركية.
ظهور التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة الامريكية
تصاعدت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، بشكل خطير وهو ما يهدد المستقبل التجارى بين العملاقين الاقتصاديين، وذلك فى ظل اجراءات تصعيديه من كلا الطرفين بفرض رسوم جمركية متبادلة بينهما. حيث اقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن تقوم بلاده بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على العديد من المنتجات الصينية والتي تقدر بحوالي 50 مليار دولار، بهدف خفض العجز التجاري مع الصين. غير أن الصين ردت على مثل هذا الأجراء وقامت بالإعلان عن إنها سوف تقوم بزيادة الرسوم الجمركية على السلع الأمريكية بنسبة 25% والتي تقدر بحوالي 50 مليار دولار، بهدف حماية مصالحها الاقتصادية والتجارية.
ولكن الرئيس الأمريكي اعتبر أن هذا الإجراء الصيني يعتبر تصعيد للتوترات التجارية بين البلدين، وأصدر توجيهات للمسؤولين التجاريين في بلاد بالنظر في فرض المزيد من الرسوم الإضافية الجمركية على منتجات صينية إضافية تقدر بحوالي 100 مليار دولار، بهدف خفض العجز التجاري مع الصين وإجبارها على التخلي عن ممارستها فيما يتعلق بحقوق الملكية الفكرية.
اتخذت الصين اتخذت موقف أكثر حده تجاه هذا المقترح الأمريكي، وأعلنت عن أنها سوف تفرض رسوم جمركية أيضاً على نحو 1300 منتج أمريكي بحوالي 100 مليار دولار، وأنها سوف تتخذ المزيد من الاجراءات لحماية مصالحها التجارية، وليس هذا فحسب، وإنما سوف تدخل الصين الحرب التجارية مع الولايات المتحدة ومستعدة للتعامل مع كافة السيناريوهات في حالة اندلاع الحرب التجارية بين البلدين. وهو ما عزز المخاوف العالمية بشأن اندلاع الحرب التجارية بين أقوى اقتصاديين في العالم.
تحذيرات عالمية بشأن اندلاع الحرب التجارية بين الصين وأمريكا
حذرت المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي كريستين لاجارد من مخاطر اندلاع الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين على إثر الإعلان عن فرض رسوم جمركية متبادلة بين البلدين، حيث أن اندلاع مثل تلك الحرب العالمية سوف يؤثر بشكل سلبي على النمو الاقتصادي العالمي والذي بدأ في التعافي خلال الفترة القليلة الماضية، ومن ثم فإن المزيد من التصعيد وفرض الرسوم الجمركية بين الدول سوف يساهم في إضعاف الثقة وتراجع الاستثمارات، وبالتالي قد تتراجع معدلات النمو الاقتصادي العالمي، نظرًا لأن التجارة ظلت أحد محركات النمو الاقتصادي العالمي.
وفي نفس الوقت أيضاً، حذرت منظمة التجارة العالمية من تداعيات فرض الرسوم التجارية من جانب كلاً من الولايات المتحدة الأمريكية والصين، لأن البدء في تطبيق مثل الرسوم قد يؤدي الى عواقب كبيرة فيما يتعلق بالتجارة العالمية، وبخاصة إذا ما قامت الدول الأخرى بإتباع مثل تلك الخطوات، وهو ما يزيد المخاطر بشأن اندلاع حرب تجارية عالمية أو على الأقل بين أقوى اقتصاديين في العالم.
الولايات المتحدة تهدأ المخاوف بشأن الحرب التجارية
بعد أن تصاعدت حدة التوترات التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين خلال الفترة القليلة الماضية وتداعياتها السلبية على الأسواق المالية بسبب المخاوف من أن اندلاع مثل تلك الحرب التجارية قد يؤثر بشكل سلبي على النمو الاقتصادي العالمي، بدأت المخاوف بشأن الحرب التجارية تهدأ قليلاً بعد تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أن الصين لن تطبق الرسوم الجمركية التي اعلنتها عنها مؤخراً على المنتجات الأمريكية والتي تقدر بنحو 100 مليار دولار، وأن البلدان سوف يتوصلان الى اتفاق بشأن النزاعات والتوترات التجارية قريباً، وأنه يكن الاحترام للرئيس الصيني رغم الخلافات التجارية بين البلدين، وأن البلدين ينتظرهما مستقبل اقتصادي عظيم.
وفي نفس الوقت، خرج المستشار الاقتصادي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالمزيد من التصريحات التي من شأنها تهدئة وتيرة المخاوف بشأن الحرب التجارية بين البلدين، حيث أكد على أنه سوف يكون هناك اتفاق بين الصين والولايات المتحدة الامريكية حول الخلافات التجارية بمرور الوقت، ومن الممكن الغاء الرسوم الجمركية المتبادلة كجزء من الصفقة المشتركة التي قد يتم التوصل إليها، وأنه لا داعي للمخاوف بشأن اندلاع حرب تجارية بين أقوى اقتصاديين في العالم.
الرئيس الصيني يهدأ مخاوف الشركاء التجاريين لبلاده
تعهد الرئيس الصيني بأن تقوم بلاده بفتح الأسواق بشكل أكبر أمام المستثمرين الأجانب، ورفع سقف ملكية الأجانب في قطاعات مثل صناعة السيارات وبناء السفن والطائرات في أسرع وقت ممكن، وتخفيض الرسوم الجمركية على العديد من المنتجات ومن ضمنها السيارات، بالإضافة الى القيام بالمزيد من الإصلاحات بهدف تعزيز الانفتاح الاقتصادي في البلاد.
ولقد فهم من تعهدات الرئيس الصيني على إنها محاولة من جانب الصين لتهدئة المخاوف بشأن الحرب التجارية المحتملة مع الولايات المتحدة الأمريكية. وفي رد فعلها على هذه التصريحات، رحبت الإدارة الأمريكية بمثل تلك التعهدات من الرئيس الصيني واعتبرت إنها ثمثل بداية جيدة للتفاهم حول النزاعات التجارية بين البلدين، ولكن الإدارة الأمريكية سوف تواصل العمل والتفاوض مع الصين من أجل تطبيق مثل تلك التداعيات.
هل يشهد العالم حرب تجارية مقبلة؟
إن فرص اندلاع حرب تجارية عالمية أو على الأقل بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين خلال الفترة القليلة المقبلة يبدو كبيراً وبخاصة في ظل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ورغبته في خفض العجز التجاري لبلاده نظراً لأن الولايات المتحدة خسرت كثيراً في تبادلاتها التجارية مع حلفائها التجاريين. وفي نفس الوقت، إن إعلان الصين عن استعدادها للتعامل مع السيناريوهات المختلفة ومن ضمنها استعدادها للتعامل مع اندلاع حرب تجارية بين البلدين، وأنها سوف تمضي في تلك الحرب الى النهاية في حالة النهاية، قد يعزز من احتمالية اندلاع الحرب التجارية بين البلدين.
وفي النهاية لا يمكن القول بأن اندلاع الحرب التجارية بات أمر حتمى، فقد يتم التفاوض بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين من أجل حل التوترات والنزاعات التجارية بين البلدين، والتوصل الى تفاهمات بشأن تلك القضية، بما يحول دون اندلاع الحرب التجارية بين البلدين.