هل يستعيد الين الياباني مكانته كعملة ملاذ آمن من جديد؟ ولماذا!
مع إعلان الولايات المتحدة توجيه ضربات عسكرية داخل الأراضي السورية مساء الخميس الماضي، اتجه المستثمرون إلى تأمين رؤوس أموالهم واللجوء إلى الملاذات الآمنة. وقد كان الين الياباني من أكبر المستفيدين من تلك الأوضاع، ليس فقط خلال الأيام الأخيرة الماضية بل منذ مطلع العام الجاري وهو ما انعكس خلال ارتفاعات الين القوية على مدار الشهور الأخيرة. فهل أصبح الين ملاذ آمن رسمي للمستثمرين حول العالم؟ تعود غرابة هذا الأمر إلى كون الاقتصاد الياباني من أكثر اقتصادات العالم المُثقلة بالديون، وذلك بسبب ارتفاع حجم الدين نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي. هذا بالإضافة لحقيقة سعي الحكومة إلى الحفاظ على قيمة الين الياباني عند مستويات متراجعة بهدف تشجيع الاستثمار وجذب الطلب العالمي. والآن أصبح الين هو الملجأ الأول لمستمري العالم عند اضطراب الأوضاع العالمية.
ليبقى السؤال هنا هو لماذا يفر المستثمرون إلى الين؟
في وقت توالت فيه الصدمات الاقتصادية والسياسية على اقتصادات العالم، بدا الين الياباني كأقل العملات تأثراً بتلك التوترات. فإذا أمعنا النظر في الأحداث العالمية، نستطيع أن نرى بوضوح توتر المشهد بمختلف الاقتصادات إلى أن طالت الولايات المتحدة بعد فوز الرئيس ترامب، لذلك اضطر المستثمرون إلى البحث عن ملاذ آمن لتأمينهم ضد أية صدمات جديدة وغير متوقعة قد تطرأ على الاقتصاد العالمي. فعلى سبيل المثال نجد:
- ارتفاع حدة التوتر السياسي بالولايات المتحدة الأمريكية وارتفاع الشكوك حول قدرة الإدارة الأمريكية على تنفيذ خطط التحفيز المالي خاصة بعد الصراعات المتعاقبة مع سلطات الدولة القضائية والتشريعية. هذا فضلاً عن اعتزام حكومة ترامب تطبيق سياسة الحماية الاقتصادية والتي قد تثقل على الاقتصاد المحلي والعالمي.
- تصاعد المخاطر التي تهدد وحدة المنطقة الأوروبية بداية من تأزم الوضع اليوناني وتفاقم أزمة الدين إلى ملف انفصال المملكة المتحدة وتزايد شعبية التيار المناهض للإتحاد الأوروبي بدول المنطقة، مما جعل مستقبل المنطقة محلاً للتساؤل والشكوك.
- اضطراب الحياة السياسية بكوريا الشمالية وتداعياتها على اقتصادات المنطقة الآسيوية.
- غموض المسار الاقتصادي بالصين في الوقت الذي تحاول فيه البلاد جاهدة الحفاظ على مكانتها العالمية ودورها في النشاط التجاري العالمي.
جاءت تلك الأوضاع لتعيد إحياء مخاوف الأسواق من جديد. كما دفعت العديد من الآراء إلى القول بأن تداعيات الأزمة العالمية التي عصفت باقتصادات العالم منذ ما يقارب العِقد من الزمان لم تتلاشى كُلياً. وأن شبح هذه الأزمة مازال يُطارد الاقتصاد العالمي، فحتى مع محاولات وجهود البنوك المركزية المكثفة لإعادة إنعاش الاقتصاد العالمي وضخ الأموال إلى الاقتصاد مجدداً، إلا أن تلك الجهود لم تنجح في القضاء على نقاط الضعف في الاقتصاد العالمي. على الجانب الأخر، فإن استمرار السياسات التوسعية لسنوات طويلة بالتزامن مع الضخ المتواصل للأموال إلى اقتصادات العالم ساهم في تضخم أحجام الدين خلال السنوات الأخيرة، وهو الأمر الذي قد يشكل عبئاً على مجريات النمو الاقتصادي خلال السنوات القادمة.
وعلى غرار ما حدث خلال الأزمة العالمية، استفاد الين الياباني من توتر المشهد العالمي ليسجل ارتفاعات قوية في الوقت الذي تداعت فيه العملات الأخرى. كانت قيمة الين الياباني قد ارتفعت بأكثر من 60% أمام الدولار الأمريكي في الفترة ما بين صيف 2007 (قبل اندلاع الأزمة العالمية مباشرة) وحتى أوائل العام 2012.
بالإضافة إلى هذه الأسباب، هناك سببين أساسيين يدعمان مكانة الين كعملة ملاذ آمن.
أولاً، على الرغم من معاناة الاقتصاد الياباني من ارتفاع حجم الدين كما ذكرنا، فعلى الجانب الأخر تُعد اليابان من أكبر المُقرضة حول العالم. هذا يعني ارتفاع أحجام الطلب والتداول على الين عالمياً. وفي وقت الأزمة سوف يضطر المستثمرون إلى بيع الأصول بالعملات الأجنبية لشراء الين. هنا ومع تزايد الطلب على الين ترتفع قيمته مقابل العملات المقابلة.
ثانياً، انخفاض سعر الفائدة اليابانية. عادة ما يكون انخفاض معدل الفائدة فرصة جيدة للمستثمرين، حيث يتم الاقتراض بمعدل الفائدة المنخفضة لشراء العملات ذات العائد الأكثر ارتفاعاً كالدولار الأمريكي، الدولار الاسترالي أو نظيرهما النيوزلندي، وهو ما يُعرف باسم تجارة الفائدة أو الـ Carry Trade. ويكون الهدف هنا هو استغلال فوارق العائدات في تحقيق الربح.
على خلفية تلك الأوضاع، يتوقع الخبراء أن يحتفظ الين الياباني بجاذبيته كعملة ملاذ آمن خلال الفترات القادمة خاصة مع ارتفاع توتر الأوضاع العالمية سياسياً واقتصادياً.
اقرأ أيضاً: