النفط في انتظار مصيره الغامض بعد فشل اجتماع الدوحة في إنهاء الأزمة
تصدر اجتماع الدوحة أهم الأحداث الاقتصادية خلال الأيام الأخيرة حيث علقت الأسواق آمالها عليه في إعادة التوازن إلى أسواق النفط المتدهورة خلال ما يقرب من العامين حتى الآن. ولكن كما توقع الكثيرون، فقد عجز الاجتماع عن التوصل إلى إتفاق نهائي ينهي حالة الضعف التي تنتاب أسعار النفط. الأمر الذي أثقل على عاتق النفط، الذي لم يجد بديلاً عن الاستمرار في اتجاهه الهابط مدفوعاً بالعديد من الضغوط الناجمة عن الارتفاع المستمر في المعروض وتقلص الطلب الناجم عن ضعف الأداء الاقتصادي بمختلف أنحاء العالم. جاء هذا إلى جانب حالة الصراع ما بين الدول المنتجة للنفط في محاولة للحفاظ على حصصهم في الأسواق العالمية.
ظهرت فكرة الاجتماع في الوقت الذي استمرت فيه أسعار النفط في التراجع بشكل هيستيري وصولاً إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، حيث تم اقتراح تجميد الدول المنتجة لحجم الإنتاج عند المستويات الحالية، وذلك منعاً لاستمرار تزايد المعروض. وقد قوبل الاقتراح بموافقة العديد من الدول المنتجة على رأسها المملكة العربية السعودية، بينما تمت معارضته من جانب عدد من الدول منها ليبيا وإيران التي تسعى لزيادة حجم الإنتاج مرة أخرى إلى مستويات ما قبل العقوبات قرابة 4 مليون برميل في اليوم الواحد، كما أشارت بعض التصريحات الإيرانية.
وجاء فشل المحادثات الأخيرة ليشكل المزيد من الضغوط على النفط، ويزيد من غموض تحركاته خلال الفترات المقبلة. ولكن ماذا بعد فشل المفاوضات في إنهاء نزيف النفط؟ وما تداعيات ذلك على مصير النفط خلال الفترة المقبلة؟
في البداية، دعونا نتعرف على الأسباب الرئيسية التي وقفت حائلاً أمام إيجاد حل نهائي لأزمة النفط. لعل صرامة المملكة العربية السعودية هي السبب الأول، حيث رفضت الممكلة الانضمام إلى خطة تجميد مستويات الإنتاج إلا في وجود المشاركة الإيرانية. وبالنظر إلى الوضع الإيراني، نرى رفض قاطع لتجميد الإنتاج عند المستويات الحالية، والتي تراها إيران مستويات منخفضة للغاية، وبالتالي تسعى إلى استعادة حصتها في الأسواق العالمية عن طريق زيادة الإنتاج، خاصة بعد رفع العقوبات الدولية التي كانت سبباً في انخفاض حجم الإنتاج إلى المستويات الحالية. على الرغم من أن الموقف الإيراني لم يكن مفاجئاً حيث أعلنت إيران عدم مشاركتها في الإجتماع في بادئ الأمر.
جدير بالذكر أن حجم الإنتاج بكل من روسيا والمملكة السعودية قد وصل إلى أعلى مستوياته خلال يناير الماضي. بالتالي فإن تجميد الإنتاج عن تلك المستويات المرتفعة قد لا يشكل فارقاً في حجم المعروض العالمي المرتفع بالفعل. على الجانب الأخر، شهدت معدلات إنتاج النفط الصخري بالولايات المتحدة تراجعاً ملحوظاً خلال الآونة الأخيرة. الأمر الذي شكل بعض الدعم لأسعار النفط، إلى جانب توقعات وكالة الطاقة الدولية والتي تشير إلى تراجع المعروض النفطي من خارج الأوبك بواقع 700 ألف برميل في اليوم الواحد خلال هذا العام. ولكن جاء ارتفاع الإنتاج الإيراني ليعيد عدم التوازن إلى الأسواق مجدداً مع زيادة الإنتاج إلى 3.3 مليون برميل يومياً، مع إعراب إيران عن رغبتها في وصول حجم الإنتاج إلى 4 مليون برميل في اليوم الواحد.
بالنظر إلى هيمنة منظمة الأوبك على أسواق النفط، نرى أنها في انحسار ملحوظ خلال السنوات الأخيرة. فقد أدى ظهور شركاء جدد من خارج المنظمة مثل روسيا، الولايات المتحدة والصين إلى التقليل من سيطرة الأوبك على الأسواق العالمية. على الرغم من ذلك، فلاتزال الأوبك هي أكبر كيانات سوق النفط على الرغم من ظهور النزاعات الجيوسياسية على الساحة خلال الفترة الأخيرة. ولكن جاء فشل المفاوضات بالأمس ليعمل على إتساع الفجوة بين الجانبين السعودي والإيراني، ويزيد من غموض مصير النفط.
أما عن معدلات الطلب، فلا نستطيع أن نغفل التأثير السلبي لتباطؤ الاقتصاد بكل من الصين وأمريكا اللاتينية على الاستهلاك النفطي هذا العام. الأمر الذي شكل عبئاً على توقعات الطلب التي قد لا تكون كافية للقضاء على فائض المعروض. فقد أظهرت أحدث تقارير منظمة الأوبك تراجع توقعات الطلب خلال العام الجاري بمقدار 50 ألف برميل يومياً.
وبعد أن تمكن النفط من إحراز بعض التعافي خلال الفترة الأخيرة من مستويات 25 دولار للبرميل إلى أعلى 40 دولار، جاء اجتماع الدوحة وفشله في دعم النفط وعرقلته في استكمال وتيرة التعافي ليدفعه إلى 37 دولار للبرميل مرة أخرى. ولعل ردة فعل النفط لم تكن عنيفة بالنحو المتوقع، الأمر الذي ربما يرجع إلى التوقعات بفشل الاجتماع، وبالتالي فإن انتهاء الاجتماع على هذا النحو المخيب للآمال لم يكن ذو تأثير قوي على الأسواق.
أما عن مصير النفط خلال الفترة المقبلة، فهو سيظل عُرضة للمخاطر التي قد تعيقه نحو الارتفاع مرة أخرى، ومن أبرزها استمرار ارتفاع معدلات الإنتاج العالمية بالتزامن مع التقلص المتواصل في حجم الطلب وتباطؤ النمو الاقتصادي في مختلف الاقتصادات حول العالم. وتظل الأسواق على آمل أن يتمكن النفط من إيجاد الدعم اللازم لاستعادة مستوياته الطبيعية.
اقرأ أيضاً:
مقالات فرعية: