هل تدفع المخاوف الاقتصادية بنك إنجلترا للإبقاء على سعر الفائدة؟ السيناريو المتوقع!
وسط توجه البنوك المركزية العالمية لنقطة تحول محورية مع اقتراب أغلبها من نهاية دورات التشديد النقدية والتي تم البدء فيها بشكل جماعي في العام الماضي بعد الارتفاع الكبير في معدلات التضخم، تترقب الأسواق غدا الخميس صدور قرار الفائدة لدى بنك إنجلترا وسط ظهور العديد من علامات الضغط على النشاط الاقتصادي بالمملكة المتحدة، في الوقت الذي لا تزال فيه البلاد تسجل معدلات تضخم مرتفعة للغاية، هي الأعلى بين مجموعة السبع.
أولا: نظرة على البيانات الاقتصادية وتأثيرها المحتمل على قرار بنك إنجلترا
استقر معدل التضخم في المملكة المتحدة عن 6.7% بشهر سبتمبر، عكس التوقعات التي أشارت لتباطؤه إلى 6.6%، وكان هذا هو الشهر الثاني على التوالي الذي تسجل فيه بريطانيا تلك القراءة لمعدل التضخم، بعد انخفاض طفيف للغاية شهده المؤشر في شهر أغسطس من 6.8% التي حققها في يوليو.
ويعد هذا المعدل أعلى بكثير من معدلات التضخم الحالية في اقتصادات مجموعة السبع الأخرى، وعلى الرغم من أن التضخم في بريطانيا لا يزال يسير على مسار هبوطي عام، إلا أنه يظهر بذلك علامات على مقاومة التراجع بشكل تدريجي، خاصة وأن التضخم الأساسي استمر بالتراجع، وإن كان هذا بوتيرة أبطأ.
وفي الوقت نفسه، أظهرت بيانات مؤشرات مديري المشتريات الأخيرة للقطاعين التصنيعي والخدمي بالمملكة المتحدة بعض التحسن، وجاءت القراءات أفضل من المتوقع، وإن كان كلا القطاعين لا يزال في منطقة الانكماش، أدنى مستوى 50 نقطة، مما يعكس الضغوط الكبيرة التي يشكلها التشديد النقدي على الاقتصاد، وكان مؤشر القطاع الخدمي قد ارتفع خلال أكتوبر ليتعافي من أسوأ قراءاته منذ يناير 2022، كما ارتفع مؤشر القطاع التصنيعي لأعلى مستوياته في 4 أشهر.
ومن ناحية أخرى، أظهر سوق العمل البريطاني بعض العلامات على التباطؤ، وهو يعد أحد المؤشرات الرئيسي التي يأخذها بنك إنجلترا بعين الاعتبار عن اتخاذ قرار السياسة النقدية، حيث تراجع عدد الوظائف الجديدة التي أضافها الاقتصاد في سبتمبر ، وانخفض التوظيف في القطاع الخاص للشهر الثاني على التوالي، حيث أدى تراجع مؤشر الثقة في توقعات الأعمال للعام المقبل إلى الحد من عمليات التوظيف.
وفي نفس الوقت، أظهر معدل نمو الأجور بعض التراجع خلال الربع المنتهي في أغسطس، بعد 4 قراءات متتالية من الارتفاع، كان آخرها في الربع المنتهي في يوليو، وكان بنك إنجلترا قد حذر الشركات مرارا وتكرارا من الارتفاعات المستمرة للأجور، والتي تغذي التضخم بشكل أساسي، ولكن معدل نمو الأجور لا يزال مرتفعا رغم تراجعه الأخير، حيث يقف الآن عند مستوى 8.1%، بعدما تراجع من 8.5%.
وبالنسبة للأداء الاقتصادي ككل، أظهرت بيانات الناتج المحلي بعض التعافي الطفيف في الاقتصاد البريطاني خلال شهر سبتمبر الماضي، وذلك بنحو 0.2%، على أساس شهري، بالمقارنة مع شهر أغسطس، وجاء هذا بعدما انكمش اقتصاد البلاد بواقع 0.6% خلال أغسطس، ولكن هذا لا يزال ضعيفا للغاية.
ولكن رغم الضغوط التي يواجهها الاقتصاد البريطاني والعالمي، إلا أن الصراع الحالي في الشرق الأوسط قد يدفع البنوك المركزية الآن للشعور بالقلق من المخاطر الصعودية الجديدة التي قد تهدد تراجع التضخم، في ظل المخاوف من تجدد أزمات أسعار الطاقة وسلاسل التوريد، إذا توسعت الحرب في فلسطين لتمتد إلى بالمنطقة.
ثانيا: تصريحات أعضاء بنك إنجلترا حيال السياسة النقدية والأوضاع الاقتصادية
بعد صدور بيانات التضخم الأخيرة، صرح محافظ بنك إنجلترا ، أندرو بايلي ، بأن تباطؤ التضخم الأساسي يعد إشارة جيدة، مضيفا أنه يتوقع انخفاضا ملحوظا في التضخم الشهر المقبل، بعدما أكد أن قراءة سبتمبر لم تكن بعيدة عن التوقعات بشكل كبير، وأوضح أن بنك إنجلترا يتوقع تراجعا واضحا بنهاية العام.
ومع ذلك، فقد حذر بايلي من أن نمو الأجور لا يزال أعلى بكثير مما يتوافق مع خدمة هدف التضخم، وأوضح أن بنك إنجلترا قد يكون أمامه المزيد لفعله إذا استمر نمو الأجور عند مستويات مرتفعة، كما أكد أنه في كل الحالات سيتعين على بنك إنجلترا الإبقاء على السياسة النقدية عند مستويات متشددة لفترة طويلة.
وفي نفس الوقتى، أشارت عضو بنك إنجلترا دينجرا إلى الحاجة إلى تقييم التأثيرات المتأخرة لقرارات التشديد النقدي السابقة، قبل اتخاذ أي قرار آخر برفع الفائدة، للحد من التداعيات السلبية للتشديد النقدي على الاقتصاد.
ولكن العضو كاثرين مان أعربت في تصريحاتها الأخيرة عن قلقها إزاء الارتفاعات المستمرة في تكاليف المعيشة داخل المملكة المتحدة، وكذلك حيال عدم تغيير مؤشر أسعار المستهلكين – التضخم – السنوي خلال شهر سبتمبر، وأكدت على أن هذا لا يمكن أن يضمن انتهاء بنك إنجلترا من رفع الفائدة بعد.
ثالثا: توقعات المؤسسات المالية لقرار بنك إنجلترا
يرى خبراء عملاق المصرف البريطاني باركليز في مذكرة تم نشرها هذا الأسبوع بأنه من المتوقع بقاء سعر الفائدة لدى بنك إنجلترا عند 5.25% حتى أغسطس من العام المقبل، قبل أن يقوم بأول تخفيض متوقع من أربعة تخفيضات متتالية بمقدار 25 نقطة أساس.
وفي الوقت نفسه، أشار جورج باكلي، كبير الاقتصاديين المعني بالمملكة المتحدة ومنطقة اليورو لدى بنك نومورا الياباني، إلى أن ارتفاع عوائد السندات الحكومية العالمية والمخاوف الجيوسياسية ، على الرغم من التأثير المحتمل للصراع بالشرق الأوسط على أسعار الطاقة، تشير أيضا إلى أن بنك إنجلترا لن يرتفع أسعار الفائدة، وتوقع الخبير أن يتم أول خفض للفائد في الربع الثالث من العام المقبل.
ويرى رئيس قسم الاقتصاد الكلي في شركة أليانز جلوبال إنفستورز أن نمو الأجور كان هو المؤشر الوحيد الذي لا يزال مفاجئا في اتجاهه الصعودي، ولكنه أشار إلى أنه من غير المرجح أن يستمر هذا الارتفاع في ضوء المؤشرات الأخرى لضعف سوق العمل.
رابعا: السيناريو المتوقع لقرار بنك إنجلترا غدا
في ظل استمرار تباطؤ النشاط الاقتصادي في المملكة المتحدة، وكذلك ضعف سوق الإسكان، بجانب استمرار تباطؤ مؤشرات الإنفاق الاستهلاكي، بجانب ظهور المزيد من علامات التلاشي في الضغوط التضخمية، فإنه من المتوقع على نطاق واسع أن يبقي بنك إنجلترا أسعار الفائدة دون تغيير غدا الخميس عند مستوى 5.25%.
ويشير تسعير الأسواق المالية بالفعل إلى احتمال بنسبة 94% لعدم رفع بنك إنجلترا أسعار الفائدة، في حين يظل هناك احتمال بنسبة 6% فقط برفع الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس إلى 5.5%، ولهذا فإن السيناريوهات المتوقعة لقرار بنك إنجلترا غدا هي:
السيناريو الأول: وهو الأرجح، قيام أغلب أعضاء بنك إنجلترا بالتصويت بإجماع الأغلبية على إبقاء سعر الفائدة دون تغيير عند 5.50%، مع تصويت بعض أو أحد الأعضاء على خفض الفائدة، وتأكيد البنك على أنه سيقوم برفع الفائدة بأي من اجتماعاته المقبلة إذا لزم الأمر لخفض التضخم، وقد يكون لهذا السيناريو تأثيرا سلبيا على الجنيه الاسترليني، حيث إن وجود بعض التوجهات من قبل الأعضاء بخفض الفائدة قد يضعف الطلب على الاسترليني.
السيناريو الثاني: قيام أغلب أعضاء بنك إنجلترا بالتصويت بإجماع الأغلبية على إبقاء سعر الفائدة دون تغيير عند 5.50%، مع تصويت بعض الأعضاء لخيار رفع الفائدة، وتصريح البنك بأنه على استعداد لرفع الفائدة بأي من اجتماعاته المقبلة إذا لزم الأمر لخفض التضخم، وقد يكون لهذا السيناريو تأثيرا إيجابيا على الجنيه الاسترليني.