كيف تؤثر مخاوف الركود على قرار المركزي الأوروبي في ظل ضغوط التضخم؟ السيناريو المتوقع!
تترقب أسواق العملات غدا، الخميس، صدور قرار لجنة السياسة النقدية لدى البنك المركزي الأوروبي بشأن أسعار الفائدة عقب انتهاء اجتماعها، بعد موجة كبيرة من تصريحات أعضاء البنك والبيانات الصادرة بالمنطقة ، والتي عززت مخاوف الركود لاقتصاد منطقة اليورو.
وكان البنك المركزي الأوروبي قد رفع سعر الفائدة الرئيسي باجتماعه الماضي يوم 14 سبتمبر إلى مستوى قياسي بلغ 4.50% الشهر الماضي، متجاوزا توقعات الأسواق التي أشارت لاحتمالية الإبقاء على معدل الفائدة عند 4.25%، وكان هذا هو الرفع العاشر في 14 شهرا.
وفيما يلي نظرة على الأوضاع الاقتصادية بمنطقة اليورو، وتأثيرها المحتمل على قرارات المركزي الأوروبي، والسيناريو المتوقع للقرار الذي سيصدر غدا:
أولا: نظرة على البيانات والأوضاع الاقتصادية بمنطقة اليورو:
أظهرت بيانات التضخم الأخيرة تباطؤ معدلات التضخم الرئيسية في منطقة اليورو خلال شهر سبتمبر الماضي لما دون توقعات الأسواق، حيث تباطأ التضخم العام بشكل كبير إلى 4.3%، وهو أدنى مستوياته منذ أكتوبر 2021، كما تراجع معدل التضخم الأساسي إلى أدنى مستوياته منذ أغسطس 2022 عند 4.5%، حيث بدأت زيادات أسعار الخدمات في التباطؤ بشكل كبير، مما انعكس في قراءات التضخم.
ولكن رغم ذلك، فقد استمرار معدلات التضخم في منطقة اليورو بتسجيل قراءات تزيد عن ضعف هدف بنك المركزي الأوروبي لحجم زيادات الأسعار ، فيء الوقت الذي حذرت فيه محافظ البنك ، كريستين لاجارد ، من أن المنطقة لا تزال تواجه ضغوطا صعودية على معدلات التضخم، كما رفع البنك توقعاته لمعدلات التضخم بالعامين الحالي والمقبل.
وفضلا عن ذلك، فقد صرحت لاجارد هذا الأسبوع بأن التصعيد الأخير للصراع في الشرق الأوسط سيكون من شأنه تشكيل المزيد من الضغوط التضخمية الصعودية، بعدما شهدت أسعار النفط والغاز ارتفاعات كبيرة منذ بدء تفاقم الصراع، نظرا لأن منطقة الشرق الأوسط هي المصدر الأكبر لإمدادات النفط العالمية، ومع ظهور تهديدات لتلك الإمدادات نتيجة تصعيد الصراع ، فإن هذا قد يدفع الأسعار للصعود مرة أخرى بشكل كبير، مهددا بموجة تضخمية أكثر مقاومة لجهود المركزي الأوروبي نحو الهبوط.
ورغم أن مخاطر عودة ارتفاع التضخم تلك قد تستدعي رفعا آخر لأسعار الفائدة من قبل البنك المركزي الأوروبي، إلا أن ارتفاع تكاليف الإقتراض في المنطقة - التي حافظت على سياسة تيسيرية وأسعار فائدة سالبة لفترة كبيرة – قد ألقى بظلاله على النشاط الاقتصادي بشكل أصبح يهدد النمو في كبرى اقتصادات المنطقة، فضلا عن مخاطر تزايد عجز الموازنة في الدول الأكثر مديونية بالمنطقة.
وتعززت مخاوف الركود الاقتصادي بعدما أظهرت البيانات الصادرة أمس لمؤشرات مديري المشتريات أن لمنطقة اليورو قد تراجعت وظلت في منطقة الانكماش؛ أدنى مستوى 50 نقطة، مسجلة أدنى مستوياتها منذ حوالي 3 أعوام، وقت تطبيق الإغلاقات الوبائية ، والتباطؤ الحاد الذي شهده الطلب داخل المنطقة، وهو ما يدعو صناع السياسة بالمركزي الأوروبي إلى التروي قبل اتخاذ أية خطوات تشديد أخرى.
وفي ألمانيا أكبر اقتصادات منطقة اليورو الصناعية، سجلت أسعار المنتجين انكماشا بشهر سبتمبر الماضي، تزامنا مع انكماش حجم الإنتاج الصناعي للبلاد، وهو ما زاد المخاوف من ركود محتمل للاقتصاد الألماني، خاصة بعد بيانات النمو الضعيفة للغاية التي سجلها الاقتصاد، وتوقعات البنك الاتحادي الألماني بأن الاقتصاد قد دخل بالفعل في حالة الركود.
ومع ذلك، فقد سجل الإنتاج الصناعي للمنطقة بأكملها انتعاشا طفيفا خلال الشهر الماضي، كما انتعش الميزان التجاري للمنطقة بشكل كبير، إلا أن ارتفاع أسعار الفائدة قد أصبح يشكل خطرا على مستويات الديون لبعض اقتصادات المنطقة، وخاصة إيطاليا وإسبانيا، حيث إنهما عرضة أكبر للمخاطر المالية، نتيجة لارتفاع عجز الميزانية وارتفاع الديون والافتقار إلى الانضباط المالي، وارتفع الفرق في عوائد السندات بين إيطاليا عن ألمانيا إلى حوالي 2% الآن.
ثانيا: تصريحات أعضاء المركزي الأوروبي
قلل فيليب لين، كبير اقتصادي البنك المركزي الأوروبي، من مخاوف الركود والمخاوف المالية، قائلا إن ارتفاع تكاليف الاقتراض يجب أن يمنع ارتفاع الأسعار من التسبب بارتفاع أوسع في التضخم، وأشار إلى أن البنك المركزي الأوروبي لا يزال لديه خيار التوقف عن برنامج إعادة شراء السندات الذي تم البدء فيه استجابة لتداعيات الوباء، في وقت أبكر مما كان متوقعا، للحد من السيولة في الاقتصاد، بما يدعم السياسة النقدية المتشددة للبنك المركزي الأوروبي.
وكانت محافظ البنك ، كريستين لاجارد قد أعربت عن تفاؤلها الحذر الأسبوع الماضي بأن التضخم قد يكون في طريقه للعودة إلى هدف 2% بدون المزيد من الرفع في أسعار الفائدة، مؤكدة على ضرورة تشديد الضغط على الحكومات للحفاظ على الانضباط المالي اللازم لتحقيق هبوط سلس باقتصاد المنطقة، ولكنها حذرت هذا الأسبوع من التداعيات التي ستنتج عن توسع الحرب في منطقة الشرق الأوسط، والتي قد تدفع الأسعار نحو الارتفاع مرة أخرى.
ولكن تصريحات العيديد من الأعضاء خلال لفترة السابقة أظهرت ميلا نحو الإبقاء على مستويات الفائدة الحالية، وكان من أبرز هؤلاء الأعضاء محافظ بنك فرنسا ، فرانسوا فيليروي دي جالو، ونظيره اليوناني يانيس ستورناراس، حيث أشاروا إلى أنه ستكون هناك حاجة إبقاء الفائدة عند مستوً متشددا لبعض الوقت، مضيفين أن السياسة النقدية قد أصبحت بالفعل في وضع بإمكانه خفض التضخم خلال الفترة المقبلة.
وفي نشرته الاقتصادية الأسبوع الماضي، أفاد البنك المركزي الأوروبي بأن الرفع الأخير لأسعار الفائدة جاء نتيجة لوجود بعض الدلالات على أن هذا قد يكون الخيار الأمثل، وهو ما دفع لجنة السياسة النقدية لرفع الفائدة للتأكيد على تصميم والتزام البنك المركزي الأوروبي على خفض التضخم نحو هدف 2%، خاصة وأن التضخم كان أعلى مستوى 5%.
وأشارت نماذج تحليل البنك المركزي الأوروبي أيضا، وفقا للحسابات، إلى أن معدل الفائدة على الودائع في المنطقة من 3.75% إلى 4.00% قد يكون كافيا لإعادة التضخم إلى مستوى 2%، بشرط أن يبقي البنك المركزي الأوروبي على هذا المستوى لفترة كافية تضمن حدوث ذلك، وسيكون هذا خيارا جيدا لمنع المزيد من الأضرار على النمو والمالية العامة.
ومع ذلك، فقد أكد بعض اقتصاديو وأعضاء البنك المركزي الأوروبي على أن لجنة السياسة النقدية قد ترفع أسعار الفائدة مرة أخرى، إذا ما ظهرت بعض المخاطر الأخرى التي قد تهدد بوضع ضغوط تضخمية جديدة بالمنطقة وبالتالي عودة ارتفاع التضخم، موضحين أن عودة صعود التضخم مرة أخرى قد ينتج عنها أن تصبح زيادات الأسعار أكثر مقاومة لجهود المركزي الأوروبي في خفض التضخم.
ثالثا: توقعات أبرز المؤسسات المالية والاستثمارية لقرارات المركزي الأوروبي:
يرى عملاق الاستثمار الألماني كوميرز بنك أن البنك المركز الأوروبي قد وصل على الأرجح لذروة أسعار الفائدة باجتماعه الماضي، مشيرا إلى أن احتمالية الركود الاقتصادي ، في ظل البيانات الأخيرة ، سيكون لها على الأغلب تأثيرا كبيرا في اتخاذ القرار، مشيرا إلى احتمالية قيام المركزي الأوروبي بخفض توقعاته للنمو هذا الاجتماع.
وفي نفس الوقت، يرى خبراء بنك الاستثمار الأمريكي جولدمان ساكس أن مخاطر الديون والمالية وعجز الموازنة في إيطاليا تزيد بشكل كبير مخاطر رفع الفائدة مرة أخرى من قبل البنك المركزي الأوروبي، خاصة في ظل مخاطر الركود الحالية، وهو ما يعني أن لجنة السياسة النقدية قد تكتفي بالمستوى الحالي لأسعار الفائدة.
وفي استطلاع أجرته وكالة رويترز الإخبارية، أجمع أغلب الاقتصاديين المجيبين بالمسح بأنهم يتوقعون أن يبقي البنك المركزي الأوروبي على سعر الفائدة الحالي دون تغيير ، مشيرين إلى أن هذا قد يستمر حتى الربع الثالث من عام 2024 على الأقل.
ويرى بنك OCBC الصيني العملاق أن مخاطر الركود الاقتصادي قد لا تدع خيارا آخر أمام البنك المركزي الأوروبي سوى الاكتفاء بمعدلات الفائدة الحالية، نظرا لأن الذهاب لأبعد من ذلك قد يتسبب بأضرار تفوق المنافع المحتملة.
رابعا: السيناريو المتوقع لقرارات البنك المركزي الأوروبي:
السيناريو الأول؛ وهو الأرجح: أن يبقي البنك المركزي الأوروبي على سعر الفائدة عند المستوى الحالي، مع إبقاء المجال مفتوحا أمام احتمالية المزيد من الرفع بأسعار الفائدة، في حال استدعى الأمر، في ظل التطورات الأخيرة بأسعار الطاقة وعدم وضع حد لبرنامج إعادة شراء السندات، وسيكون لهذا السيناريو على الأغلب تأثيرا إيجابيا على اليورو.
السيناريو الثاني؛ وهو الأقل احتمالية: أن يبقي البنك المركزي الأوروبي على سعر الفائدة عند المستوى الحالي، مع التصريح بأنه قد وصل بالفعل إلى ذروة معدلات الفائدة، وأنه القرار الآن سيكون حيال الفترة التي سيبقي فيها على هذا المستوى بما يكفي لخفض التضخم، خاصة مع التباطؤ الأخير لبيانات التضخم، وسيكون لهذا السيناريو تأثيرا سلبيا على اليورو بسوق العملات.