هل يقدم اجتماع الاحتياطي النيوزلندي أي جديد للأسواق؟ السيناريو المتوقع!
تترقب الأسواق عن كثب صدور قرار بنك الاحتياطي النيوزلندي بعد انتهاء اجتماع لجنة السياسة النقدية غدا الأربعاء في تمام الساعة 1:00 صباحا بتوقيت جرينتش، وما له من انعكاسات على سوق العملات وخصوصا أداء الدولار النيوزلندي.
ومنذ اجتماع البنك السابق، طرأت العديد من التغييرات الاقتصادية التي شهدتها نيوزيلندا والتي من المرجح أن يكون لها تأثير قوي على خطوات بنك الاحتياطي النيوزلندي المستقبلية حول سياسته النقدية.
فهل يفاجأ الاحتياطي النيوزلندي الأسواق ويرفع الفائدة أم يحتفظ بأسعار الفائدة عند مستوياتها الحالية البالغة 5.50% للاجتماع الرابع على التوالي؟
وقبل الإجابة على هذا السؤال، يتعين إيضاح أهم ملابسات هذا الاجتماع من حيث الخلفية الاقتصادية وتوقعات أبرز البنوك حول قرار الاحتياطي النيوزلندي المرتقب بجانب تصريحات صناع السياسة داخل الاحتياطي النيوزلندي ، وأخيرا، نستعرض السيناريوهات المتوقعة لقرار البنك.
أولا: نظرة على الأوضاع الاقتصادية الأخيرة في نيوزيلندا:
منذ الاجتماع الماضي، ظهرت بعض التطورات الاقتصادية في نيوزيلندا وأهمها نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي ومبيعات التجزئة خلال الربع السنوي الثاني من عام 2023.
ولقد كشفت البيانات الإحصائية عن نمو اقتصاد نيوزيلندا خلال الربع السنوي الثاني المنتهي بشهر يونيو بنسبة 0.9%، متجاوزا توقعات الاقتصاديين والتي أشارت لتوسع اقتصاد نيوزيلندا بنحو 0.4% فقط، بعدما انكمش اقتصاد البلاد للربع السنوي الأول بنحو 0.1% وتم تعديل القراءة صعودا إلى 0.0%.
وبهذه المراجعة، يمكن القول بأن نيوزيلندا لم تكن في حالة الركود على الإطلاق، حيث عادة ما يعرف الركود الفني بأنه انكماش الناتج المحلي الإجمالي لربعين متتاليين، وبالتالي، فإن الاحتياطي النيوزلندي لديه ركيزة قوية ليواصل دورة رفع أسعار الفائدة هذا الاجتماع.
ولكن، خلال الربع السنوي الثاني سجلت مبيعات التجزئة السنوية في نيوزيلندا انكماشا بنسبة 1.0% ، وهو ما جاء أسوأ من توقعات الأسواق التي أشارت لانكماشها بحوالي 0.4% فقط، ولكن قراءة الربع الثاني جاءت أفضل منها في الربع الأول عندما شهدت نيوزيلندا انكماشا بواقع 1.4% في مبيعات التجزئة.
وفي نفس الوقت، سجلت بيانات مؤشر مبيعات التجزئة بقيمته الأساسية انكماشا خلال الربع الثاني بنسبة 1.8%، بأسوأ من توقعات الأسواق بانكماشها بنحو 0.2% فقط، وهذه البيانات عززت احتمالات ركود الطلب الكلي داخل نيوزيلندا وما له من انعكاسات سلبية محتملة على النمو الاقتصادي وهذا بدوره قد يدفع الاحتياطي النيوزلندي للإبقاء على سعر الفائدة عند مستوياتها الحالية دون تعديل.
ثانيا: توقعات البنوك لقرارات الاحتياطي النيوزلندي:
أيدت غالبية تقديرات البنوك الاستثمارية العالمية احتمالات استمرار توقف بنك الاحتياطي النيوزلندي عن رفع سعر الفائدة هذا الاجتماع، مع احتمال ضئيل لمخاطرة البنك المركزي ورفع الفائدة.
وفي هذا الصدد، توقع بنك UOB أن يتوقف الاحتياطي النيوزلندي مؤقتا عن رفع الفائدة باجتماع أكتوبر، وهو ما اتفق إلى حد كبير مع توقعات المجموعة النيوزلندية الاسترالية المالية ANZ، والتي أشارت لإبقاء الاحتياطي النيوزلندي على سعر الفائدة دون تغيير عند 5.5٪ ولكن بلهجة أكثر تشددا؛ حيث يشير بيان الفائدة إلى بعض النقاط المؤيدة لمزيد من التشديد مستقبلا.
كما توقع بنك ويستباك بأن يحافظ الاحتياطي النيوزلندي على سعر الفائدة الحالي، مع احتمال يتراوح ما بين (10-20٪) لمخاطرة البنك المركزي ورفع الفائدة بواقع 25 نقطة أساس، كما أشارت تقديرات البنك إلى رفع سعر الفائدة باجتماع نوفمبر وتميل المخاطر داخل نيوزيلندا نحو زيادات إضافية في عام 2024.
ثالثا: تلميحات صانعي القرار داخل الاحتياطي النيوزلندي بشأن الفائدة:
صدرت بعض التصريحات من صناع السياسة النقدية ببنك الاحتياطي النيوزلندي منذ اجتماع البنك الأخير بشهر أغسطس، حيث أفاد محافظ الاحتياطي النيوزلندي أدريان أور بأنه من المرجح إبقاء البنك على سياسته النقدية المتشددة لفترة قد تمتد على مدار العامين القادمين لضمان انخفاض التضخم في نيوزيلندا نحو النطاق المستهدف مشيرا لانحراف توقعات معدل الفائدة للعامين المقبلين قليلا عن 5.5% وهو ليس تلميحا لمزيد من الرفع بأسعار الفائدة.
كما حذر محافظ الاحتياطي النيوزلندي من تجاوز الحد المطلوب بشأن دورة رفع الفائدة، معربا عن رضاء البنك المركزي عن المستويات الحالية لأسعار الفائدة.
هذا وصرح مساعد محافظ بنك الاحتياطي النيوزلندي كارين سلك، ببعض المخاطر المتعلقة بالنمو الاقتصادي للبلاد، حيث أوضح بأن الصين وهي أكبر شريك تجاري لنيوزيلندا تسبب مصدر قلق بشأن ضعف الاقتصاد، مضيفا بأن ضعف الطلب من الصين على منتجات الألبان -حيث تعد نيوزيلندامن كبار منتجي ومصدري الألبان عالميا- والسلع الأخرى مثل اللحوم سيشكل خطراً على نيوزيلندا.
وفي ظل هذه المخاطر الاقتصادية، جنبا إلى جنب لحالة عدم اليقين الاقتصادي بما يمنع الاحتياطي النيوزلندي من الإقدام على أية خطوة تشديدية إضافية دون معرفة الأثر الكامل لقرارات البنك المركزي السابقة على اقتصاد نيوزيلندا خصوصا وأن الاحتياطي النيوزلندي أعرب عن رضاه عن مستويات الفائدة الحالية.
ومن ناحية أخرى، بدأت بعض المخاطر الصعودية للتضخم في الظهور وعلى رأسها ارتفاع صافي الهجرة وما له من أثار سلبية على ارتفاع أسعار الإسكان بما يعزز الضغوط التضخمية بالبلاد، بما يستدعي احتمالية رفع آخر لأسعار الفائدة من قبل الاحتياطي النيوزلندي.
رابعا: السيناريوهات المتوقعة لقرارات الاحتياطي النيوزلندي:
من العرض السابق لأهم ملابسات قرار اجتماع بنك الاحتياطي النيوزلندي غدا الأربعاء، يمكن القول بأن هناك عدة سيناريوهات للقرار:
السيناريو الأول:
إبقاء الاحتياطي النيوزلندي على سعر الفائدة عند 5.5% دون تغيير، وهو التصور الأكثر ترجيحا، مع لهجة أكثر تشددا حول المخاطر الصعودية للتضخم وعدم تراجع الضغوط التضخمية على النحو المرغوب بما يفتح المجال لرفع آخر لسعر الفائدة في نوفمبر خصوصا في ظل النمو الاقتصادي القوي الذي حققته نيوزيلندا بالربع السنوي الثاني بما يعزز جهود البنك المركزي للسيطرة على التضخم.
وحال حدوث هذا السيناريو، سيشهد الدولار النيوزلندي ارتفاعا ملحوظا بالتداولات اللاحقة لصدور القرار.
السيناريو الثاني:
يتمثل في الحفاظ على معدل الفائدة عند مستوياته الحالية دون تعديل، مع الإشارة لأهمية بقاء السياسة مقيدة لفترة من الوقت إلى أن ينخفض التضخم إلى النطاق المستهدف (1-3%)، وفي هذه الحالة، ستراقب أسواق العملات بيان الفائدة بحثا عن أية مؤشرات حول الوضع الاقتصادي للبلاد ومسار السياسة النقدية المقبلة.
وإذا تطرق البيان لضعف حدة الضغوط التضخمية علاوة على تباطؤ النشاط الاقتصادي في الآونة الأخيرة وأن السياسة النقدية أصبحت مقيدة بالفعل؛ فمن المرجح أن يتراجع الدولار النيوزلندي مقابل العملات الرئيسية الأخرى وفقا لهذا التصور.
السيناريو الأخير:
وهو تصور بعيد المنال -على الأقل في الوقت الحالي- وهو أن يقوم الاحتياطي النيوزلندي برفع الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس إلى 5.75%، بما يثير اعتقاد الأسواق بأن السياسة النقدية قد وصلت إلى مستوى مقيد بما يكفي لإعادة التضخم إلى النطاق المستهدف.
وبناء عليه، قد تشهد أسواق العملات تراجعا قويا لتحركات الدولار النيوزلندي أمام العملات الأخرى مع احتمالية أن يتخلى الاحتياطي النيوزلندي عن دورة رفع الفائدة نهائيا هذا العام.