هل يلجأ بنك إنجلترا لرفع قوي آخر بأسعار الفائدة؟ .. السيناريو المتوقع
يترقب المستثمرون في سوق العملات صدور قرار الفائدة في بريطانيا بعد اجتماع لجنة السياسة النقدية لدى بنك إنجلترا غدا ، بعدما فاجأ البنك المركزي للمملكة المتحدة الأسواق برفع أسعار الفائدة بواقع 50 نقطة أساس إلى مستوى 5.00% بالوقت الذي كانت تتوقع فيه الأسواق حينها رفع الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس فقط.
وفيما يلي نظرة على أبرز البيانات الاقتصادية التي تؤثر بشكل أساسي على قرار الفائدة في بنك إنجلترا وتوقعات الأسواق لخطوة البنك المقبلة باجتماع الغد، وكذلك أبرز السيناريوهات المتوقعة لقرار لجنة السياسة النقدية.
أولا: نظرة على أهم المؤشرات الاقتصادية وتأثيرها على قرار بنك إنجلترا
كانت بيانات التضخم الصادرة عن مكتب الإحصاء البريطاني بمنتصف الشهر الماضي قد أوضحت تباطؤ مؤشر أسعار المستهلكين العام خلال شهر يونيو ، ليسجل 7.9% ، وكانت القراءة أقل من توقعات الأسواق التي أشارت لتسجيله 8.2%، كما أنه أقل من القراءة السابقة لشهر مايو ، والتي بلغت 8.7%.
ويعد هذا أدنى مستوى يسجله التضخم بالمملكة المتحدة في عام وربع؛ منذ شهر مارس من العام الماضي، وهو ما قد يعني أنه قد تجاوز ذروته وأنه على المسار نحو الهبوط التدريجي نحو هدف بنك إنجلترا البالغ 2%.
ولكن في نفس الوقت، شهد معدل التضخم الأساسي تراجعا أبطأ، حيث سجل 6.9% خلال يونيو، وهو أقل من توقعات الأسواق التي أشارت لتسجيله نفس قراءة شهر مايو البالغة 7.1%، ولكنه مع ذلك يظهر علامات على مقاومة التباطؤ الذي كان من المتوقع أن تحققه قرارات بنك إنجلترا السابقة، مع استمرار زخم تضخم الخدمات، وهو ما يعني أن البنك المركزي للمملكة المتحدة قد يضطر لرفع أسعار الفائدة أكثر من مرة هذا العام.
هذا كما أظهرت بيانات مبيعات التجزئة الصادرة عن شهر يونيو انكماش مبيعات التجزئة بنسبة 1.0% خلال يونيو على أساس سنوي، وهو ما جاء أفضل من توقعات الأسواق التي كانت تشير لانكماشها بنسبة 1.5%، وهو ما يعكس تباطؤا أقل من المتوقع لمستويات الطلب بالمملكة المتحدة، وبالتالي حاجة بنك إنجلترا للاستمرار بتشديد سياسته النقدية لإبطاء الطلب بوتيرة أعلى.
ولكن على الجانب الأخر، يواجه بنك إنجلترا موقفا صعبا وسط بيانات النمو والنشاط الاقتصادي، والتي عززت المخاوف من احتمالية ركود الاقتصاد البريطاني، وهو ما يحد من قدرة بنك إنجلترا على تشديد سياسته النقدية بالوتيرة المطلوبة، خاصة وسط إظهار سوق العمل علامات على فقدانه لجزء من قوته.
ووفقا للبيانات الأخيرة في سوق العمل البريطاني، فقد ارتفع معدل البطالة في البلاد بما يفوق التوقعات، ليسجل 4.0% خلال الربع المنتهي في مايو، من 3.8% بالقراءة السابقة لها، كما سجلت مطالب إعانات البطالة ارتفاعا فاق التوقعات خلال شهر يونيو، مما يعكس التأثر الواضح لسوق العمل.
ولكن رغم ذلك، استمرت معدلات نمو الأجور بالارتفاع بشكل واضح فاق المتوقع، حيث سجلت الأجور نموا بنسبة 6.9% خلال الربع المنتهي في مايو، في ظل سعي الشركات للاحتفاظ بالعمالة بسوق عمل لا يزال ضيق للغاية رغم فقدانه لبعض القوة، عن طريق محاولة مواكبة التضخم المرتفع برفع أجور العاملين.
وكان محافظ بنك إنجلترا أندرو بايلي قد حذر من هذا الأمر مرارا وتكرارا، مؤكدا على أن الزيادات الكبيرة المستمرة ستدفع بنك إنجلترا للاستمرار في تشديد سياسته النقدية لكبح نمو الطلب الناتج عن ارتفاع الأجور مع دخول الاقتصاد في بدايات دوامة الأجور والتضخم.
في نفس الوقت، أظهرت بيانات النمو انكماش الناتج المحلي الإجمالي للمملكة المتحدة خلال شهر مايو الماضي بنسبة 0.1%، وإن كان هذا قد جاء أفضل من التوقعات التي أشارت لانكماشه بنسبة 0.3%، بعدما كان النمو قد سجل ارتفاعا بواقع 0.2% بشهر أبريل السابق.
كذلك أظهرت مؤشرات مديري المشتريات انكماش قطاع التصنيع البريطاني بما يفوق توقعات الأسواق، تزامنا مع تباطؤ نمو القطاع الخدمي بالمملكة المتحدة إلى أدني مستوياته منذ بداية العام، وهو ما يعكس تباطؤ نشاط الشركات المحتمل خلال الفترة المقبلة، مما يضع المزيد من القيود على قدرة بنك إنجلترا على رفع الفائدة.
ثانيا: تصريحات أعضاء ومحافظ بنك إنجلترا
صرح أندرو بايلي محافظ بنك إنجلترا بأن المستوى الحالي للزيادات في الأجور لا يتوافق مع هدف تضخم البنك، وأوضح أنه يتوقع انخفاضا ملحوظا في التضخم ولكن هذا سيكون له بعض الصعوبات على الاقتصاد، ولكنه أفاد بأنه لا يستطيع تحديد موعد لبدء أسعار الفائدة في الانخفاض بعد.
ولكن بايلي صرح أيضا بأن الصدمات الخارجية المؤثرة على التضخم لم تزل بعد، وأشار إلى أن التضخم الأساسي في حد ذاته ليس مقياسًا كافيا للتضخم المحلي، وأضاف أن جزء كبير من التضخم الحالي مدفوع بجشع التجار، وأن الحكومة يجب أن تتخذ إجراءات حاسمة لردع ذلك.
وفي مقابلة صحفية أفاد نائب محافظ بنك إنجلترا دايفيد رامسدين بأن قراءة مؤشر التضخم تظل مرتفعة للغاية عند مستوى 7.9%، رغم انخفاضها، وصرح بأنه إذا كانت هناك أدلة على استمرار الضغوط التضخمية، فستكون هناك حاجة إلى مزيد من التشديد النقدي.
ثالثا: توقعات المؤسسات المالية بشأن قرار بنك إنجلترا غدا
توقع مسح رويترز الأخير بأن يقوم بنك إنجلترا برفع أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس، أعلى مما كان يعتقده المشاركون بالمسح قبل أسبوعين فقط، بأن يقوم البنك برفعين متتاليين بمقدار 25 نقطة أساس لكل منهما، وسط استمرار مقاومة التضخم الأساسي، وتوقعوا أن يصل البنك لمعدل الفائدة النهائي عند 6.00%.
ويتوقع محللو بنك باركليز البريطاني زيادة بمقدار 50 نقطة أساس، حيث يظل نمو الأجور والتضخم الأساسي مرتفعان، مما يعني أن الإجراءات الحازمة والرفع بوتيرة كبيرة سيكون فرصة للجنة السياسة النقدية لتعزيز المصداقية.
وفي نفس الوقت، أشار اقتصاديو جولدمان ساكس إلى أنهم يتوقعون أن يكتفي بنك إنجلترا هذا الاجتماع برفع 25 نقطة أساس لمعدلات الفائدة، نظرا لبيانات النشاط الاقتصادي ، مشيرا بأن هذا قد يجعل احتمال الربفع بربع أعلى من احتمالية الرفع بمقدار نصف نقطة التي لا تزال محتملة أيضا، وتوقع وصول البنك لمعدل الذروة النهائي عند 5.75%، أو حتى ترى لجنة السياسة النقدية علامات تباطؤ حقيقي في تضخم الأجور والخدمات الفورية.
وفي بنك بي إن بي باريبا توقع المحللون رفعا بمقدار 25 نقطة أساس، بالاستناد إلى الأدلة التي أظهرتها البيانات الأخيرة، موضحين أنه مع الرفع الأعلى من المتوقع في يونيو بواقع 50 نقطة أساس، سيكون على الأرجح متبوعا برفع أقل.
ووفقا لما يراه الخبير الاقتصادي بمجموعة UOB لي سو آن ، من المتوقع على نطاق واسع أن يرفع بنك إنجلترا سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس باجتماع الغد.
هذا كما خفض دويتشه بنك توقعاته لقرار بنك إنجلترا القادم، حيث أصبح يتوقع المحللون بأن يقوم بنك إنجلترا برفع أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس فقط باجتماع ، مقابل توقعاتهم السابقة برفع بمقدار 50 نقطة أساس.
رابعا: السيناريو المتوقع لقرار بنك إنجلترا
استنادا إلى البيانات الاقتصادية الأخيرة وبالأخذ في الاعتبار قرار بنك إنجلترا المفاجئ بيونيو الماضي، فإن السيناريو المتوقع لقرار بنك إنجلترا سيكون:
السيناريو الأول، وهو الأرجح: أن يكتفي بنك إنجلترا برفع أسعار الفائدة بواقع 25 نقطة فقط هذا الاجتماع، ويلمح في بيان الفائدة والمؤتمر الصحفي للسياسة النقدية برفع آخر على الأقل من أجل دفع التضخم للتباطؤ بالوتيرة المرجوة، دون التسبب بصدمة للاقتصاد عن طريق رفعين متتاليين بواقع 50 نقطة أساس، وهو ما قد يعطي بعض الدعم الضعيف للجنيه الاسترليني.
السيناريو الثاني، وهو الأقل احتمالا وإن كان لا يزال قائما: أن يرفع بنك إنجلترا أسعار الفائدة بواقع 50 نقطة أساس أخرى للتأكيد على دفع التضخم بقوة أعلى نحو التراجع، وسيكون لهذا السيناريو تأثيرا قويا إيجابيا على الاسترليني ولكنه قد يكون قصير المدى بسبب مخاوف الأسواق من توقف وتيرة التشديد النقدي البريطاني قريبا.