فى النصف الثانى من خمسينيات القرن الماضى زار مصر وزير الخارجيه الامريكى الاسبق جون دالاس و التقى مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لأجراء مباحثات سياسيه لملفات الشرق الاوسط ، إلا ان ناصر تفاجىء بطلب غريب من دالاس و هو تخفيض مصر لأنتاجها من القطن طويل التيله لأنه منافس رئيسى لقطن الجنوب الامريكى ... ! و بعدها بسنوات قليله اختفى تقريبا القطن المصرى طويل التيله من الاسواق العالميه ...!
و قبل اغتيال زراعة القطن طويل التيله سياسيا و اقتصاديا ، تم التخريب المنظم لتتحول مصر من اكبر مصدر الى اكبر مستورد للقمح فى العالم بعد تعميم الخبر المصنوع من القمح بدلا من الذره فى عام 1951 لتتلوها قرارات فقيره للغايه بفتح باب الاستيراد على مصرعيه لتزيد كمية القمح المستورد من عام 1960 الى عام 1961 بنحو 71 % و هى زياده رهيبه تفوقت على الحاجه الفعليه للبلاد و على نمو الزياده السكانيه ايضا ، لتترسخ من وقتها ثقافة الاستهلاك الكثيف للمواد الاساسيه و تصبح الاستدانه و الاستيراد من ضمن الحلول السهله التى ادمنها الاقتصاد المصرى و يعانى منها حتى الان ...
و بأمتداد خط الازمات الاقتصاديه على استقامته نجد ان مشاهد القطن طويل التيله و القمح تقودنا الى ازمه جديده ، ألا و هى ازمة الارز المصرى الذى يعد من السلع الاستهلاكيه الاساسيه للمصريين و الذى يواجه تحديات معاصره نمر عليها من خلال النقاط التاليه :-
1 - فى مطلع 2017 كانت مساحة حقول الارز فى مصر 2.1 ملیون فدان و بلغت اقصى انتاجیتها نحو 5.1 ملیون طن مقابل استهلاك محلى لا یتجاوز حاجز 4 ملیون طن ... و ربما كان ھذا اخر مشهد جید للارز المصرى قبل ان تتكالب علیه عوامل عده نرصدھا فیما یلى ...
اولا ... فى كتوبر 2016 قررت الحكومه المصریه تقلیص مساحة محصول الارز المزروعه من 2.1 ملیون فدان الى نحو 1.8 ملیون فدان و ذلك لتوفیر استهلاك المیاه من جانب و لمحاربة التصرفات الاقتصادیه الخاطئه لبعض المزارعين و التجار من جانب اخر ... و ھو ما اثر سلبا على الانتاجیه الزراعیه التى تراجعت طوال العام التالى الى 4.3 ملیون طن فقط من الارز ...
ثانيا ... جاء قرار تعویم الجنیه المصرى فى 3 نوفمبر 2016 لیفتح شهیة الكثيرين لتعمیق سبل الاستیراد و تحقیق ارباح مضاعفه من فرق العلمه التى ارتفعت رسمیا بنحو 100 % فأرتفع سعر الارز الرسمى للمستهلك من 3.2 جنیه مصرى الى 6.5 جنیه مصرى للكیلو الواحد ...
ثالثا ... عاودت الحكومه المصريه فى عام 2017 تخفيض مساحة الارز المزروعه من 1.8 مليون فدان الى نحو 1.1 مليون فدان ، فى سبيل ترشيد استهلاك المياه بعد انتهاء اثيوبيا من 60 % من بناء سد النهضه الذى يقلص حصة مصر المائيه تدريجيا الى النصف حتى عام 2025
رابعا ... فى الربع الاول من عام 2018 توصلت مفاوضات سد النهضه بين الثلاثى مصر و السودان و اثيوبيا الى طريق مسدود تقريبا ، فأتخذت الحكومه المصريه قرارها المعتاد بتقليص ضخم للمساحه المزروعه لمحصول الارز من 1.1 مليون فدان الى 724.2 الف فدان فقط ...
2 - تتفق تقاریر وزارة الزراعه المصریه و وزراة الزراعه الامریكیه فى رصدھا لتحدیات الارز المصرى على ان المزارعین المحلیین یخالفون المساحات الرسمیة المقرره لزراعة الارز بنسب تتراوح بین 35 % الى 50 % زیاده عن ما یتم تحدیده رسميا كل عام ، و ھو ما یشكل فائض غیر شرعى یساهم فى تعمیق ازمة استهلاك المیاه و تصدیر غیر مقنن للخارج فى الوقت الذى بدأت فیه الحكومه عام 2016 حالیا طرح عطاءات لأستیراد الارز لأول مره منذ عشرين عاما ... و ھو الامر الذى یشكل تسربا اقتصادیا مزدوجا و عبئا على المصادر الدولاریه فى البلاد ...
3 - التقلیص الاخیر لمساحة الارز المزروعه یصل الى 34.5 % فى سنتین فقط و یهدد الانتاج الرسمى الى الوصول الى ما دون 1.75 ملیون طن مع زیادة الطلب على الاستهلاك المحلى الى 4.5 ملیون طن ھذا العام ... و ھذا یعنى فجوه تقترب من 3 ملیون طن یتم استیرادھا من الخارج مما یعنى رفع فى اسعار الاستهلاك بما لا یقل عن 23 % لیصل كیلو الارز للمستھلك المصرى فى حدود 12 جنیه خلال 2018 ...
4 - تقوم السلطات المصريه بتوقيف المزارعين المخالفين و بفرض غرامات تصل الى 7600 جنيه على زراعة الفدان خارج اطار القانون ، بالاضافه للمراقبه الجويه و البريه للمساحات المزروعه بالمخالفه لما هو محدد رسميا ...
5 - لاشك ان ھناك جهودا تبذل فى الظل لتطویر سلالات انتاجیه اقل استهلاكا للمیاه لأغلب المحاصیل الزراعیه و اعتماد بدائل سلعيه ، و لكن تلك الجهود تظل ابطأ كثیرا من تطورات نقص المیاه على خلفیة سد النهضه و ابطأ ایضا من عجلة الاستیراد الجهنميه التى تشكل الحل السریع و المزمن لأغلب الفجوات السلعیه ...
اخیرا ... ما یحدث حالیا فى مشهد الارز المصرى للاسف نموذج اقتصادى سلبى متكرر للتحول من اكبر 11 مصدر عالمى للارز فى 2013 الى مستورد نهم يسعى لتغطیة احتياجات السوق المحلى فى 2018 من سلعه باتت اساسيه ، و ذلك مع اختلاف المعطيات السريعه و الاسباب المتراكمه و توزیع المسئولیات على الجميع ...
- و تبقى الاسئله الصعبه ...
# هل يستطيع المصريين تغيير ثقافتهم الاستهلاكيه و عاداتهم الغذائيه من اجل اقتصاد افضل تتقلص فيه الفجوه بين الصادرات و الواردات ؟!
# هل يكون الارز هو السلعه الاساسيه الاخيره المستورده بعد القمح و السكر و الزيت و القطن ؟! ام ان هناك سلع اخرى اساسيه فى الطريق ؟!
# هل يتحمل الاقتصاد المصرى فى طريق الاصلاح الطويل دخول عبء استيرادى جديد يفاقم من العجز بين الصادرات التى بلغت نحو 2.14 مليار $ و بين الواردات التى بلغت نحو 5.77 مليار $ ...؟!
- الايام حبلى بالاجابات و الارقام المتوقعه ...
آخر وأحدث التحليلات
الندوات و الدورات القادمة
الطريقة الرقمية وتطبيقاتها على الأزواج المختلفة
- الخميس 09 يناير 08:30 م
- 120 دقيقة
- أ. شانت بدزيكوف
مجانا عبر الانترنت
مجانا عبر الانترنت
استراتيجيات التداول اليومية (عملات، سلع، أسهم)
- الاثنين 13 يناير 08:30 م
- 120 دقيقة
- أ. وائل مكارم
مجانا عبر الانترنت